وانهارت الأسوار!

الصفحة الاخيرة 2019/02/09
...

 جواد علي كسّار
بعد صدمة معرض القاهرة للكتاب بغلاء الأسعار، شعرتُ بشيء من الممانعة الذاتية التي دفعتني لاتخاذ قراري بعدم زيارة معرض الكتاب الحالي في بغداد؛ ودائماً تحت العلة نفسها؛ أقصد بها غلاء الأسعار، فما حظّ معرضنا في بغداد أحسن من معرض القاهرة، في غلاء الأسعار!
لكن ما لبثت هذه الممانعة أن تلاشت ثمّ انهارت، مع متابعتي اللقطات الافتتاحية الأولى للمعرض يوم الخميس الماضي عبر الشاشات، حيث وجدتُ نفسي يوم الجمعة مع شلال الزائرين، أطوف بين الكتب، وأتنقّل بين الناشرين مع صديق عزيز، كنا قد اتخذنا قرارنا بعدم شراء أيّ كتاب، وأن نكتفي في جولتنا بالإطلاع على آخر الإصدارات، وما تغدق به عقول الباحثين والكتّاب والمفكرين من ثمار المعارف وكنوزها، لكن أيضاً مع حيلةٍ نفسية بلعنا طعمها عمداً ونحن نستغفل أنفسنا، حين قرّرنا أن يحمل كلّ واحدٍ منا مبلغاً نقدياً للاحتياط؛ فقد نعثر على كتاب يروق لنا بسعره ومحتواه، فنشتريه!
هكذا دخلنا المعرض؛ صديقي يحمل بضع مئات من الدولار، وفي جيبي أنا أقلّ من مليون دينار عراقي، ونحن متسلحان بقرار المقاطعة السلبية للمعرض بعدم الشراء، اعتراضاً على الغلاء، وأن نكتفي من جولتنا، بمتعة الإطلاع على مشاركات أكثر من (600) ناشر، من أكثر من عشرين بلداً، وبالمجان؛ وهذه بالتأكيد صفقة رابحة!
صمدنا لساعة وساعتين وثلاث، ثمّ انهار سور الممانعة الأول، عندما عثرتُ على كتاب أحتاج إليه، عن مصر الفاطمية، فبادرتُ لشرائه رغم غلاء ثمنه بعد حيلة نفسية، حين أشركتُ صديقي بالمشورة، وطلبتُ منه أن يُبدي رأيه، فقال بعد دقائق، أنه كتاب جيّد، فدفعتُ ثمنه من فوري!
ما لبث أن انهار سور الممانعة الثاني عندما بادر صديقي لشراء كتاب في السيرة من مجلدين، ثمّ توالت الانهيارات على أسوار الناشرين دون حدود، لتكون الحصيلة (91) كتاباً بالتمام والكمال، (59) كتاباً حصتي، وحصة صديقي (32) كتاباً!
بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، جلسنا مع كتبنا المائة وكلها من المجلدات الضخام، لا ندري ماذا نفعل، وكيف نحملها ونعود بها إلى بيوتنا، خاصة وقد كنتُ اقترحتُ على صديقي اقتراحاً عبقرياً جداً، بأن يترك سيارته، ونذهب إلى المعرض بالمواصلات العامة، لأنه أهدأ لوجع الرأس من عناء العثور على موقف للسيارة، والأهمّ من ذلك، هو قرارنا بعدم شراء أي كتاب، فما حاجتنا للسيارة!
تمخضت عقولنا عن حيلة مرضية إلى حدٍ ما، فقد عرضنا على الناشر الذي اشترينا منه كمية كبيرة من الكتب، أن نترك كتبنا وديعة عنده، إلى حين ما نتدبر أمر نقلها، فوافق مشكوراً، ثمّ عدنا إلى بيوتنا قرب المساء، فدخل صديقي بيته بكتابين وأنا بكتاب واحد، مع ابتسامة بوجه زوجتي التي صدّقت فعلاً، أنني التزمتُ بقرار المقاطعة، والمسكينة لا تعلم أننا قد أفرغنا جيوبنا، واشترينا من الكتب ما يساوي حمل بعير، والأسوأ من ذلك قرارنا بالعودة إلى المعرض مجدّداً، لنشتري مجموعة أخرى!