تجارة الكلى في هرات.. «انهم يذبحون البشر من أجل المال»

بانوراما 2021/04/08
...

 بن فارمر وأختر ماكوي 
  ترجمة: ليندا أدور
بسبب الفقر والعوز، تزدهر سوق تجارة الأعضاء، لكن أحيانا، ما يجد هؤلاء المتبرعون أنفسهم وقد «تاجروا» بصحتهم مقابل الحصول على بضعة آلاف من الجنيهات. رفع كل من الشباب المصطفين، وهم قلة قليلة فقط من اولئك الذين يسكنون هذا الحي  ويحملون ذات العلامات، قميصه الطويل ليكشف عن ندوب طويلة يصل طولها لقدم تقريبا، تمتد على جانبي منطقة البطن، بدت وكأنها آثار لعملية جراحية. 
في هذه الضاحية الفقيرة من مدينة هرات، غربي افغانستان، يمتلك ما لا يقل عن 32 شخصا، من بين 150 أسرة فقط، هذه الندوب، اذ يشير ابراهيم حكيمي، أحد الشيوخ المحليين، الى أن الفقر واليأس هما ما دفع كل هؤلاء الشباب والرجال لبيع إحدى الكليتين في تجارة مزدهرة رغم انها غير مشروعة، وقع فقراء المدينة فريسة لها. يقول حكيمي: «كان من المحتمل أن يصبح كل هؤلاء الرجال لصوصا او يحملون السلاح من اجل الحصول على المال، لكنهم لم يفعلوا ذلك»، مضيفا «لم يكن لديهم سوى كليتهم ليبيعوها من أجل أسرهم». غدت تجارة بيع الكلى شريان الحياة المالي لأكثر رجال المدينة بؤسا ويأسا، وفقا للشباب المتبرعين، فقد اجتمع الفقر مع يأس اولئك الذين بحاجة لزرع الكلى، ليخلق سوقا سوداء مزدهرة. 
 
صدمة كبيرة
مع ذلك، يمكن لهذه التجارة ان تحمل تكلفتها الباهضة حتى على المتبرعين أنفسهم، الذين غالبا ما يجدون أنفسهم وقد استبدلوا صحتهم وقدرتهم على العمل مقابل بضعة آلاف من الجنيهات. على مدى سنوات، انتشرت شائعات عن رواج هذه التجارة المزعومة في عموم انحاء المدينة الحدودية مع ايران، لكن تناولها والكشف عنها في وسائل الاعلام، كما حدث مؤخرا، عندما تم الكشف عن حجمها الذي تسبب بإحداث صدمة كبيرة، بدأت السلطات المحلية على إثرها بإجراء التحقيقات. لكن، المشفى، حيث تجرى عمليات رفع وزرع الكلى، أنكر ارتكابه مثل هذه الأفعال المشينة، متهما الناس بالكذب بشأن دفع الأموال لهم مقابل كُلاهم. 
تسببت النزاعات المستمرة والجفاف، وأخيرا، تداعيات جائحة كورونا في تصاعد معدلات الفقر في البلاد، اذ تشير تقديرات البنك الدولي للعام الماضي الى أن معدلات الفقر ازدادت من 55 بالمئة الى 72 بالمئة في العام 2020. وقد أشار العديد ممن باعوا كلاهم، الى أنهم نزحوا من مقاطعاتهم الأصلية بسبب الجفاف والحرب، ليتخذوا هرات ملجأ ليكسبوا رزقهم هناك كعاملين بالأجر اليومي. 
 
نصف رجل
يقول نجيب الله (32 عاما) من مدينة فارياب ويسكن مخيما للنازحين شمال شرق هرات، بأنه قرر بيع كليته مقابل اربعة آلاف دولار أميركي، بسبب ديون ترتبت عليه بعد الزواج، فبموجب التقاليد المحلية المتبعة هناك، أُجبر على دفع مهر العروس لزوجته المستقبلية، وأن اي فشل في عدم تسوية الدين مع أسرتها سيتسبب بحدوث نزاع. «سينتهي الأمر الى خلاف سيودي بحياة ثمانية أشخاص، لذا من الأفضل لي أن أخسر كليتي وأصبح نصف رجل» والحديث لنجيب الله، مشيرا الى أنه ذهب الى المشفى المعروف بتنظيم عمليات نقل وزرع الكلى، ليجد رجلا قادما من العاصمة الأفغانية كابول، يبحث عن كلية، وسرعان ما اتفقا على جميع الشروط، يكمل نجيب الله بقوله: «كنت قلقا، لكن لا خيار لدي، أبلغتهم بأن كل شيء بيد الله، وربما أموت أو لا أموت»، مضيفا أنه ومنذ إجرائه العملية، لم يعد قادرا على العمل ولا يزال غارقا بالديون، ويقول: «الآن، بدأت كليتي الأخرى
 تمرض».
تقول خوري غول، إمرأة تسكن المخيم ذاته، بأنها باعت كليتها في العام الماضي عندما كانت حاملا لشهرين، لتنقذ زوجها، أمير الدين، من محصلي ديون حركة طالبان، فقد جمعت نحو 3800 دولار أميركي لتضمن حرية زوجها، لكنها لم تنجح بتسديد ديونه كاملة. تقول غول متسائلة: «أنا فقيرة جدا، وقد فعل زوجي كل شيء على مدى السنوات العشر الماضية، وإن لم أفعل أنا شيئا، فمن سيفعل؟».
يذكر ان جميع من قاموا ببيع كُلاهم، زعموا بأنهم أجروا عملية النقل والزرع في مشفى لقمان حكيم الخاص بالمدينة، حيث تم إجراء أول عملية زرع ناجحة في البلاد في المشفى العام 2016، ومنذ ذلك الوقت، أجريت فيه أكثر من ألف عملية من هذا القبيل. 
 
اتهام وإنكار ونفي
نفى المشفى، وبشدة، تورطه بأي أنشطة غير مشروعة، غاضا الطرف عن تجارة الأعضاء، فيما قال موظفوه انهم لا يمكنهم التعليق على هذه الادعاءات حتى انتهاء تحقيق حكومة المقاطعة، مؤكدين أن الناس كذبوا بشأن تلقيهم أموالا مقابل التبرع بالكلى، معللين ذلك بأن الناس يختلقون القصص لوسائل الإعلام بهدف الحصول على مساعدات حكومية، أو انها إتهامات يقوم بنشرها منافسون تجاريون. يدعي الدكتور فريد أحمد إعجاز، كبير أطباء المشفى، بأن الندب التي شوهدت، هي نتيجة عمليات أخرى كالتهاب الزائدة الدودية، مشيرا الى أن التبرع بالكلى يحدث، الى حد كبير، بين أفراد الأسرة. 
كما أنكر مسعود غفوري، المدير المالي للمشفى بقوله: «لِمَ يتم إلقاء اللوم على المشفى حول شيء لا يحدث بداخلها». يبدو أن مسؤولي المقاطعة المحليين هم أيضا، لا يبدون تعاطفا مع الذين باعوا كلاهم، اذ يقول محمد آصف كبير، نائب رئيس دائرة صحة المقاطعة، بأن فريق التحقيقات يتطلع للعثور على مرضى لسؤالهم عن كيفية تبرعوا بكلاهم للمتلقين: «معظم الحالات هي لأقارب أو أخوة أو آباء، وبعضها تبرعات».
وقد نفى محمد تيموري (26 عاما)، الذي يقول أنه باع كليته العام الماضي، أنه هو أو آخرين، كانوا يكذبون: «لو كان طبيبا عادلا لما أقدم على هذا الفعل»، مضيفا «هم يذبحون البشر من أجل المال».