قاسم موزان
لا شك أن الطفل هو البذرة في حياة الاسرة، ثم ما تلبث أن تصبح الجزء الاساسي في المجتمعات اذا ما تم التعامل بايجابية وتخليص شخصية الطفل اليانعة من الشوائب التي قد تلحق بها باتباع طرق تربوية سليمة تنمي قدراته الذهنية والعقلية وتحفزه للابداع المبكر حتى يصبح عنصرا فاعلا في الحياة ويكون وجوده قدوة للاخرين، الا أن بعض الاساليب تأخذ منحى آخر خطيرا برغبات غريبة وغير مسؤولة ونتائجها مرعبة، وذلك عبر تكليف الام او الاب للطفل بطرق الاغراء المادي و المعنوي بنقل اخبار الاسرة الواحدة والانصات الى احاديث الابناء والبنات باسلوب تجسسي بغيض، ما يجعل الطفل منافقا وكذابا، و كل ما يقوله يكون محل ترحيب لدى الابوين اللذين لم يدركا انهما قاما بتمزيق براءة طفلهم، ولم يحسبا حساب الطفل على مدى عمره وتداعيات اسلوبهما اللاتربوي على حياته المستقبلية ووضعه على حافات غير محسوبة، ولم يدرك الابوان ايضا انهما قد احدثا شرخا عميقا في بنية الاسرة، اذ يحل الشك والريبة عوضا عن الوئام، ولعل عملية تلقين الطفل اسلوب التجسس تخلق حالات الافتراق والكراهية والنفور منه ويبقى مصدر قلق دائما للاسرة، اسلوب التجسس يفتح الآفاق لمخيلة الطفل في تلفيق الكلام وصياغته حسب مزاجه، اذ يبتكر اشياء لم تحدث ويطلق لنفسه الاستنتاج بأقوال بريئة لا يقصد منها دلالة ما، وكل هذا يندرج تحت مسمى الكذب والنفاق .
التلقين المبكر بنقل الاخبار من داخل الاسرة تتسع رقعته في ما بعد ويأخذ ابعادا اخرى اكثر خطورة عندما يصبح الطفل الصغير ناضجا ويختلط بمحيطه الاجتماعي الاوسع وحال ادراك هذا المحيط اسلوبه المذموم يبتعد منه و تكبر الهوة بينهما وتضطرب هويته اكثر فاكثر، فيلجأ الى ممارسة التنمر باتجاهات شتى ويستعرض قدراته الجسدية، ولا يعير اهتماما لخصوصيات الناس ويلوك بها حتى تصل لدرجة الطعن بالاعراض، مثل هذا النوع من البشر لا يعرف تأنيب الضمير او مراجعة الذات لتصويب مسيرة حياته، لأنه يعتقد أن ما يفعله هو الصواب بعينه وشيئا فشيئا يجد صعوبة بالغة في الاندماج بمجتمع لا يسمح بوجوده، هل يدرك الابوان ما ستؤول اليه الامور بابنائهم حين يكبرون وقد تلقوا سابقا عادات سيئة وبذيئة في التربية لا يقتصر اثرها السلبي في الاسرة فقط، بل اتسعت آفاقها الى مديات ابعد لتشمل المجتمع برمته.