مرتضى صلاح
فهناك الكثير ممن يؤدون العبادات على نحو ظاهري مثل الصلاة والصوم وحتى الحج لا يحقق من عبادته إلا ما هو ظاهر من قيام وركوع وسجود؛ كما قال الرسول (ص): رُبَّ مُصلٍّ ليس له من صلاته إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، حتى بلغ عُشْرها. وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، لكنه بعيد عن أخلاقيات الصوم، سواء كان تعامله مع نفسه أو مع غيره من الناس؛ وبذلك يقول الرسول (ص): من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
لقد شُرع الصوم لكي تتطهر النفس من أدران تعلق بها نتيجة التعامل مع الآخرين فتسمو إلى عالم الخير، ووتنسجم مع الصفات النبيلة التي تؤهلها للسعادة الأبدية. وقد جعل الله الصوم شهرا في السنة يتزود فيه المؤمنون لبقية شهور العام؛ حتى يقتربوا من جانب التقوى، فيجتنبون بتلك الفضائل الشرور والآثام.
ومن أهم حِكَم الصوم وفضائله أنه يربّي في الصائم المؤمن ملكة الابتعاد عن الشهوات المفسدة للأخلاق؛ إذ من ربّى نفسه طيلة شهر الصيام على قوة الارادة بترك الرغبات المباحة؛ سيكون عامل الارادة القوية هو من سيمنع عن نفسه المحرمات والشبهات طيلة الشهور اللاحقة لرمضان. فمن خلال فضيلة الصبر طيلة شهر كامل ستكون نفسه أبية أمام المواقف التي تحتاج عزما لا يلين. ومع هذا ترى أن الشفقة والرحمة بالفقراء والمساكين قوية الجانب لدى الصائم، لأنه يشعر بحاجة هؤلاء، وربما حمله ذلك على الإحسان إليهم، وفي ذلك إصلاح اجتماعي، وبهذا ترتبط الزكاة بالصيام برباط ديني اجتماعي إنساني متين.
ومن خصائص شهر رمضان التربية على ذكر الله تعالى مع كل موقف يقفه الانسان في العلاقة مع الآخرين، وما قد تعرض عليه الدنيا من اوهام الملذات؛ فتنشط لديه ملكة مراقبة النفس وابعادها عما يلحق الأذى بها وبالناس الآخرين الذين هم على احتكاك معه. وهكذا نرى أن الأمانة سلوك تعلمه الانسان من فريضة الصوم. لأن الأمانة تمثل وجدانا لدى الصائم، إذ إن معرفته بأن الصوم دين عليه، وأمانة في عنقه ينبغي المحافظة عليها وعلى حقوقها ستنقله الى وحي التعامل الأمين مع بقية العبادات و كذلك التعامل مع الآخرين وفق هذه الصفة.
وهناك فوائد صحية للصائم تتعلق بنظام حياته، فحينما يلتزم وقتا محددا لصومه وإفطاره وسحوره وصلاته وتلاوته للقرآن وزيارة الأقارب والأصحاب، فسينمو لديه حب النظام وتنظيم وقته. ومن الفوائد الصحية توفر فرصة لإذابة شحوم المترهلين وزوال السموم المترسبة في الأبدان، لدى قليلي العمل والحركة، فكثير من المرضى يتعافون أثناء شهر رمضان، وصدق من قال: صوموا تصحوا.
ومن يسر الإسلام ومرونته تخفيفه سبحانه وتعالى وترخيصه لأصحاب الأعذار بالفطر في رمضان، حيث قال الله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، والإطاقة هنا هي أدنى درجات القدرة، إذا كانت قدرته عليه في أدنى مراحل الضعف. والمقصود بها كبار السن والمرضى مرضا متصلا، فهؤلاء لا صيام عليهم وإنما تجب عليهم الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم بقدر معين من الطعام.