شهر رمضان والقرآن؟

منصة 2021/04/20
...

 الشيخ مقداد البغدادي
شهر رمضان موسم فضيل من الأزمنة التي تأتي سريعاً وتذهب سريعاً، ومن ثم تعود مرة أخرى بحلة جديدة، ونظم متجددة في علائقها الذائبة، ببودقة عشاقه المنتظرين قدومه بشغف. 
ومعنى الشهر، من الاشهار، كما يقول اللغويون، والشهر العربي يتأرجح بين الثلاثين والتسعة والعشرين يوماً وذلك تبعاً للرؤية الشرعية لمنازل القمر، التي غالباً ما يؤكد عليها الفقهاء بان تكون بالعين المجردة، وليست "المسلحة"، بتعبيرهم كالناظور والتلسكوب، غير أن بعض الفقهاء صاروا يميلون لهذا الأخير، ربما طلبا لتخفيف مشقة مراقبة الهلال في فترات الطقس المضطرب وغبرة الجو.
ومواقيت الشهر العربي تختلف عن اوقات اليوم من حيث الصفة والموصوف، بل لنقل من جهة التقديم والتأخير بين قافلتي الأرض المعروفة وهي الليل والنهار، وشهر الصيام هذا الزمن المقدس يمثل حلقة وصل مهمة بين الحسي والمادي، فمن جانب هو ممارسة لنظام غذائي ورياضي يلتزم به الصائم، بيد انه من جوانب اخرى يمثل مسارا زهديا ونسكيا لترويض النفس، وهذه المعادلة واضحة في قاموس الصائم نفسه، ولا تحتاج الى كثير من العناء في التقصي والتحري عن حقيقتها الملموسة.
ولعل اكثر ما قيل في رمضان إنه شهر القرآن، وما أدراك ما القرآن (كتابٌ أحكمت آياته)، فقد حير العقول وأبهر الألباب في ألفاظه ومعانيه وبلاغته ومعجزته. والقرآن الكريم يضم (114) سورة و(6236) آية، ومدة نزوله بين مكة والمدينة (23) سنة، وما نزل في مكة يعرف بالمكي، وما نزل اثناء الهجرة وما بعدها يعرف بالمدني، ويتفق العلماء على عدد السور المكية بأنها (86) سورة؛ تمتاز بالردع والزجر، وأن عدد السور المدنية (28) وغلب عليها طابع التشريع والتوجيه، وكلاهما يكمل بعضهما بعضا، وقسم من السور نزل بعضها في مكة ونزل بعضها الآخر في المدينة المنورة، فصارت تلك السور مكية مدنية، وهناك اختلافات فقهية في مواطن نزول بعض الآيات. 
والقرآن الكريم موزع بين ثلاثين جزءا وستين حزبا، فكأنه فصل على مقاس شهر الصيام، ذلك لأنه في أجزائه يوازي ليالي رمضان، ذلك لأن العرب تبدأ باليوم من وقت الغروب على ما هو مشهور وتقسم اجزاءه الى ليلة ونهار، وليس ليلا ونهارا، وهذا ما حفظته لنا أمهات الكتب والمصادر التراثية.
ولكل سورة في كتاب الله اسم عرفت به، كما إن للكثير من هذه السور أسماء أخرى مع الاسم الأول لها، كما في أسماء سورة الفاتحة (الحمد، والسبع المثاني، وغيرها)، وسورة الاخلاص تسمى التوحيد، وكذلك يطلق على سورة الطلاق (النساء الصغرى). كما وامتازت كل سورة بوصف دقيق من الالقاب، فسورة "يس" قلب القرآن، والرحمن عروسه، والبقرة فسطاط القرآن وسنامه، والبقرة سورة 
مدنية. أما بالنسبة لفريضة الصيام فهي مدنية الشروع والتشريع، فقد سن الصوم في السنة الثانية للهجرة، بين أزقة المدينة المنورة من المسجد النبوي المعظم يوم كان المسلمون قلة قليلة يطمع فيها القريب ولا يهابه الغريب، فمن هناك.. من طيبة خرج شهر رمضان بطقوسه ونواميسه وحمله المسلمون الاوائل بقلوبهم الى البشرية جمعاء، غير آبهين ولا مكترثين بأجلاف قريش وطواغيتها يوم ذاك حتى كان النصر حليفهم، ووصلت فضيلة هذا الشهر الكريم الى أرجاء المعمورة في ظرف عقدين من الزمان، فكان هذا الشهر من أعظم شهر في صدور الناس من حيث الحركة والطقوس والعلاقة الاجتماعية في ما بين المسلمين.