المطاعم العراقيَّة في القاهرة.. تبادل ثقافات

ريبورتاج 2021/04/20
...

 اسراء خليفة 
عندما تمشي في احد شوارع القاهرة، تجد اسماء لمطاعم مثل (الفلوجة، وزرزور، وابو حسين العراقي، وفلافل فالح ابو العمبة)، فتشعر انك تعيش في شوارع بغداد، خاصة الشبه الشديد بين الاجواء، فالقاهرة يشطرها نهر النيل وارضها منبسطة، وبغداد يشطرها نهر دجلة ونتمتع باجواء الجانبين الكرخ والرصافة وشارع ابي نواس، والامر نفسه في القاهرة حيث يوجد كورنيش النيل والمطاعم والكازينوهات المنتشرة على ضفافه.
وفي منطقة المهندسين وبالقرب من القنصلية العراقية هناك مطعم كبير اسمه زرزور وآخر اسمه الفلوجة الذي اتجهنا اليه، ووجدنا اجواء عراقية 100 % ، اذ اللوحات البغدادية والموسيقى والغناء العراقي، و صوت كاظم الساهر وهو يطربنا (عبرت الشط على مودك خليتك على رأسي)، وشكل المطعم من الداخل ورائحة الاكل الشهية كلها تشعرك انك في العراق، واستقبلنا صاحب المطعم ابو عبد الله ( محمد كامل)  بالترحاب الكبير وقدم لنا المقبلات قبل أن نطلب اي شيء.
 
طلبة
سألناه عن فكرة افتتاح مطعم عراقي في القاهرة فتحدث لـ»الصباح» قائلاً: «انا في الاصل صاحب مطعم الفلوجة في بغداد وناحية ابو غريب ومدينة الفلوجة، وورثت المطعم من ابي، وابني كذلك يعمل معي، اذ توارثنا المهنة من
 اجدادنا.
وجاءت فكرة افتتاح مطعم في منطقة المهندسين لكوني قد فتحت مطعم الفلوجة اول مرة في منطقة 6 اكتوبر المكتظة بالجالية العراقية، واستمرينا لمدة ٨ سنوات ونقلته الى وسط  القاهرة لان اغلب الطلاب العراقيين هنا ويراجعون القنصلية، فيوجد تقريبا 16 الف طالب في جميع المراحل وهم يفضلون الاكل العراقي بنكهاته الجميلة».
وعن نوعية الاكلات التي يقدمها، بين كامل «نحن هنا في المطعم نحاول أن نوفر الاكلات العراقية من حيث الطعم والنكهة مثل (الكباب، والكفتة، والدولمة، والسمك المسقوف، والدجاج المشوي ....الخ) مع انواع السلطات العراقية ولدينا تنور عراقي
 للخبز».
 
كورونا
وعن زمن الوباء اوضح «لقد قمت باغلاق المطعم في وقت كورونا لفترة، لاني كنت انقل المطعم من 6 اكتوبر الى المهندسين، لكن جميع المطاعم العراقية اعتمدت على «السفري» الذي كان بديلا مناسبا للمطاعم، وقد فتحت المطعم بعد 8 شهور وانا اعمل اليوم بـ»السفري»، وايضا هناك زبائن يحضرون الى
 المطعم».
واضاف «الشرطة المصرية متعاونة ولا توجد اي مضايقات، بل بالعكس هناك تعاون مع العراقي وتسامح كبير، اذ يتعامل معك الشرطي كأنك مصري او اكثر من ابن بلده، فبمجرد أن يعرف انك عراقي يتغاضى عن بعض الامور، ولكن نحن لابد من أن نعكس صورة بلدنا الجميل ونحترم البلد الذي نعيش فيه، ونطبق جميع التعليمات التي تبلغنا بها الجهات المصرية».
 
أغانٍ وكرم
واضاف كامل «نحن نحرص على بث الاغاني العراقية التي تحمل الشجن والحزن، وهناك اسر عراقية عندما تسمع الاغاني تحزن جدا وتبكي على العراق وذكرياتها، لذلك بدلتها بالاغاني العاطفية كما ان هناك موقفا مر بي، وهو اننا بالمطعم نقدم السلطات والخبز مجانا وفي مصر لا يوجد هذا الامر فيأتي المصري ويأكل السلطات ونحن لا نحاسبه عليها ويذهب فتكون حالة غريبة بالنسبة له، لذلك هم يتغنون بكرم العراق والعراقيين وهذه الحالة تتكرر كل يوم تقريبا».
 
فنانون
لم يكن المواطن العادي هو الوحيد الذي يرتاد هذه المطاعم، بل اهتم بها، لما توفره من طعام شهي الفنانون ايضا، اذ بين كامل «ان من زبائنه الدائمين الفنان احمد راتب رحمه الله، وكذلك الفنانة عفاف شعيب ورندا البحيري، فضلا عن زيارة سعدون جابر باستمرار الى المطعم، وكذلك اغلب الوزراء والمسؤولين الذين يحضرون الى مصر».
 
اليمن والعراق
وكانت هناك اسر عدة تأكل في المطعم وقت الظهيرة، فطالب الدكتوراه في جامعة عين شمس تحسين محمد يصطحب مجموعة من اصدقائه العرب ويصف لهم الاكلات العراقية ونكهتها الخاصة، وسألناه عن سبب استمراره بالمجيء هنا فقال: «نحن الطلبة لدينا مراجعات كثيرة في القنصلية العراقية والمطعم قريب منها، لذلك ادعو اصدقائي ونأتي هنا من اجل الاكلات العراقية
 الشهية. 
ومن المفارقات ان اصدقائي المصريين اصبحوا زبائن في المطعم ويجلبون معهم اسرهم، وانا سعيد بوجود اكلات عراقية في مصر، اذ كنا نعاني ونضطر للذهاب الى المطاعم اليمنية القريبة بعض الشيء من اكلاتنا».
الطالبة وسن محمد هي ايضا اخذت ركنا مميزا في المطعم ومعها عدد من الصديقات العرب وهي مفتخرة بالاكلات العراقية الشهية، وتتحدث عن النقص في الاكل وهو السمك المسقوف الذي تمنت أن تطعم اصدقاءها منه، وتشرح لهم الطريقة وهي سعيدة جدا.
تجولنا في مدينة 6 اكتوبر حيث تتجمع العديد من الاسر العراقية، ووجدنا هناك مجمعا كاملا يدعى الاردنية، اذ تجد فيه الصمون والتكة والكباب والفلافل العراقية مع بعض المقاهي المصرية، واتجهنا الى مطعم كباب ابو حسين الذي التقيناه فقال لنا: «لقد اخترت هذا المكان، لانه يتركز فيه اغلب العراقيين وبعض الجاليات الاخرى، ومنها السورية وهم يفضلون الاكل العراقي وخاصة (التكة والكباب) اللذين يتميز بهما المطعم العراقي وان وجود افران الصمون شجعنا على فتح
 المطعم».
 
بين التكة  والكفتة
وبشأن ما يميز اكلتي (التكة والكباب العراقي) عن (الكفتة والكباب) في مصر بين ابو حسين «اهم ما يميزهما هو طعم اللحم في العراق الذي يختلف تماما، خاصة الخروف ونحن هنا مضطرون لاستخدام اللحم الموجود، ونتغلب على الطعم بالتوابل التي نجلب خلطتها من العراق، وبالنسبة لي اقوم باختيار اللحم بنفسي، كي يكون طازجا ويقترب من الطعم
 العراقي».
فالح ابو العمبة اسم مميز بالنسبة لنا نحن العراقيين وهو يقدم (الفلافل) مع العمبة والسلطة المميزة، وجدناه ملاصقا لمطعم كباب ابو حسين وهناك رجل مصري يتكلم اللهجة العراقية بطلاقة يدعى (ابا محمد) حدثنا قائلا : «لقد عشت في العراق ٢٥ سنة، وكنت اعمل هناك في فرع المطعم ببغداد، وعندما افتتح في مصر طلبوني كي ادير المطعم وكذلك اشرف يوميا على الخلطة بنفسي كي تكون مطابقة للفلافل التي تقدم في العراق».
 
عودة وطن
وبيّن ابو محمد «ان المصريين مشهورون بأكلة (الفلافل) وهم من نقلها الى العراق وما يميز الفلافل المصرية انها تصنع من الخضار و(الفول) اي الباقلاء، بينما الفلافل العراقية تصنع من الحمص والخضراوات، وهم يضعون الطحينة التي يصنعونها من الراشي والطحين والشطة وبعض البهارات، ونحن نضع العمبة والسلطة او الصاص ولدينا نكهة خاصة بنا».
واردف ابو محمد «نحن نعمل 24 ساعة واغلب زبائننا من العراقيين، لكن اي جنسية اخرى تتذوق الفلافل العراقية تأتي مرة اخرى، اضافة الى هذه الساحة يوجد فرنان للصمون والخبز العراقي وكذلك يوجد مطعم للسمك المسقوف واسواق باسم (بغداد) يوجد فيها كل ما يتمناه العراقي بمصر من دبس وراشي وطرشي وكيمر وبهارات عراقية بجميع
 اصنافها».
عند عودتي من مكان تجمع المطاعم العراقية وجدت نفسي كأني كنت في زيارة لبغداد، واستمتعت بالاكل العراقي الشهي، وحسدت الساكنين بالقرب من هذه المطاعم، وساعود حتما برفقة
 اسرتي.