{البطانيَّة}.. أثر ثقافي تخطى حدود الجغرافيا

بانوراما 2021/04/21
...

  مايا سلام
ترجمة: ليندا أدور
لم يعان صبحي طه من قضمة الصقيع خلال العاصفة الثلجية المدمرة والمميتة التي ضربت ولاية تكساس الأميركية، مؤخرا، فباغتت الملايين من الناس بلا وسائل تدفئة، والسبب كما يقول في مقطع مصور بثه على موقع تيك توك، أراد من خلاله أن يتوجه بشكره الخاص لما أسماه “السبب الواحد والوحيد”، وهو: “هذا الشيء هو هذه البطانية”، وهو يشير الى غطاء سرير، يظهر خلفه، مزركش باللونين الأخضر والوردي ومزين بورود كبيرة.
طه، وهو مسلم أميركي نصفه فلسطيني ونصفه الآخر فلبيني، يمتلك 250 ألف متابع على قناته عبر موقع اليوتيوب، ويقول: “إنها فعليا منقذة للحياة”، مضيفا “حتى عندما توقف جهاز التدفئة وبدأ ينفث هواء باردا، بالمعنى الحرفي، كانت هذه البطانية عازلة بشكل فعال، كنت أشعر بالدفء تحتها، وأستيقظ وأنا ما أزال أشعر بالدفء”. فمن سبق له وإلتحف بهذه البطانيات الناعمة والدافئة والمزركشة، فلا يمكن أن يجهل هذا الشعور ثانية على الإطلاق، ربما ليس لها اسم متفق عليه على نطاق واسع، فالبعض يسميها بطانيات الزهور وبطانيات المنك والبطانيات العرقية، أو كما يدعوها طه بـ”بطانيات المهاجرين”، لكنها ليست مجرد أي بطانيات.
 
حضن ملاك دافئ
بالنسبة لحفنة من الثقافات حول العالم، ومن بينها العالم العربي، فإن تدس نفسك داخل واحدة منها، يعد صلة مباشرة تمنحك الشعور بالانتماء حتى عن بعد، إذ غالبا ما تثير أنماطها المتنوعة والشاملة، التي تأتي بطيف من الألوان، بالمخيلة رؤى السجاد الفارسي السميك الثري بالألوان التي تزين بها المنازل من الجدار للجدار، أو الأقشمة الزاهية الألوان التي تتطاير في أسواق الهواء الطلق، لا ينافس دفئها، والتي غالبا ما تصنع من نسيج البوليستر الفائق النعومة ويسمى “المنكي”، الذي يدخل الى حد كبير في منتجات الأطفال، سوى مظهرها الفريد ونعومتها الفائقة بالنسبة للكثير من عشاقها.
“أعتقد انها أشياء جميلة”، تقول فرح القاسمي، فنانة لبنانية-إمارتية تقيم في نيويورك، تمتلك 10 بطانيات ومستعدة دوما لامتلاك المزيد منها، تغطي القاسمي سريرها بواحدة تبرز  فيها الزهور بالألوان المائية، وقد تناثرت ألوان الزهري والأزرق والأخضر عليه، تعلوها أكياس وسائد تتجانس معها (ليس الى حد كبير) باللون، الى جانب كومة كبيرة من هذا الغطاء موجودة في الاستوديو الخاص بها، مكدسة على شكل “عش البطانية” كما تصفه هي، تغرق فيه هي وكلبها، تقول القاسمي: “عندما أجلس على أحدها، أشعر بأني أسقط في حديقة خرافية، فتبدو لي هي كحضن دافئ من ملاك”، مضيفة أن أسرتها كانت غالبا ما تضع هذه الأغطية الى جانب الوسائد على الأرض لغرف جلوس، ووصفتها بالأكثر تقليدية.
 
مثالية وعالميَّة
“لانا كسبة” (30 عاما)، فلسطينية أميركية تعيش في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، ومتزوجة حديثا، وقد جلبت معها بطانيتين لتضيفهما الى المجموعة التي يمتلكها زوجها المصري، بينما يحتفظ والدها بنصف دزينة، ووالدتها هي الأخرى تحتفظ باثنتين. في الرحلات والنزهات، تأخذ عددا منها معها، وتُغطس نفسها بداخلها لمشاهدة الأفلام في ليالي الشتاء الباردة. تقول كسبة، وهي تستذكر صاحب متجر فلسطيني ويدير تجارة لبيع البطانيات بالجملة في هيوستن، حيث نشأت، وتقول بأن أسرتها ربما اشترت دزينة من هذه الاغطية منه، بأنها مثالية لمتابعة “موقع النتفلكس” مع كوب دافئ من السحلب.
تتنوع مجموعة بطانيات القاسمي بمزيج بين تلك التي اشترتها خلال زياراتها الى الإمارات العربية المتحدة وبين تلك التي اشترتها من متجر قريب من بيتها في حي ريدجوود بمدينة نيويورك، تقول: “هناك العديد من المتاجر هنا في الحي وما حوله، التي تبيع البطانيات” وكلفتها، عادة، نحو 30 الى 50 دولارا، ويمكن أن تصل أسعار الأحجام الكبيرة منها والمزينة بنقوشات بارزة الى 200 دولار، “ولن تجدهم في متجر في مانهاتن بالفعل”.
أما المغربية رانية مراكشي (25 عاما)، تسكن مقاطعة هوارد بولاية ماريلاند، فقد اقتنت سبعة أغطية من المفضلة لديها أثناء رحلتها الأخيرة الى بلدها الأم، ومتى ما رغبت بالمزيد، حصلت عليها، اذ يمتلك عمها مصنعا لإنتاج البطانيات في طنجة، ويصدرها الى بلدان مختلفة في افريقيا وأوروبا، ويبيع معظمها لمتاجر في المغرب.
ومع كونها تصنع في عموم انحاء الشرق الأوسط، لكنك تجدها أحيانا، تصنع في الصين وكوريا وتصدر الى جميع أنحاء العالم. تقول القاسمي: “أظن انها نوع من الصادرات الصينية التي نجحت بالوصول الى منازل لأشخاص من أصول لاتينية ومنازل عربية وروسية”، مضيفة “لتصبح نوعا من الأثر الثقافي العجيب الذي تخطى الجغرافيا بعدة طرق وأشكال”. بعد نشر طه لمقطعه المصور ونيله نحو 170 ألف إعجاب، تفاجأ بتفاعل محبي البطانيات من عموم أرجاء العالم بقوله: “لم أكن أدرك انها عالمية وواسعة الانتشار الى هذا الحد”.
 
منازل الشتاء واحدة
يبدو أن جزءا من هذه التجربة المثيرة تم نسجه في هذه البطانيات الى جانب خيوطها التي تنبض بالحياة، وهو انها، ولعقود، كانت تقدم كهدايا لمناسبات كبرى في الحياة كالاحتفال بالزواج او الوداع او المولود الجديد.
كانت العرائس يأخذن مجموعة منها الى بيوت الزوجية، تقول كريمة الكرتي (52 عاما) من الجزائر وتسكن في تيفين بولاية آيوا، بأنها عندما قدمت الى الولايات المتحدة في العام 1995، أدركت كم افتقدت بطانيات بيت أهلها، لذا، عندما عاد زوجها في زيارة بعد بضع سنوات، حرصت أن ترسل لها اختها بواحدة معه، ومنذ ذلك الحين، لا تزال تفرشها على السرير خلال شهور الشتاء، وتقول: “انها مميزة جدا لدي”.
أما سلمى جابري (25 عاما) من بلاتين بولاية إلينوي، فقد تلقى والدها وشقيقها البطانيات كهدايا بمناسبة عودتهما من أداء فريضة الحج منذ نحو 12 عاما، ولا يزال والداها يحتفظان بها حتى بعد انتقالهما من سوريا الى الولايات المتحدة. لذل فإن الرسالة التي تقرأ من الصور التي تظهر فيها بعض أنماط البطانيات الأكثر شيوعا، هي: “منازل العرب في الشتاء 
واحدة”.