ثمرات الأوراق!

منصة 2021/04/21
...

جواد علي كسار
هو عنوان كتاب ظريف في الأدب والعظات والعبر، بقالب القصص والمواقف والشعر، مؤلفه ابن حجة الحموي 
(767 ــ 837هـ).
انصرف ابن حجة أوائل حياته للعمل بصناعة الحرير وعمل الأزرار، لكنَّ ميوله إلى المعرفة ولا سيّما الثقافة الأدبيَّة، دفعته للتواصل مع أدباء عصره في الشام، ثمّ ولج بلاط سلاطين الشام، قبل أنْ يرحل إلى مصر ويعمل عند الملك 
المؤيّد. 
هذا النمط من الرجال تمتدّ به الحياة بعد مماته، لأنه يحفظ تجاربه بقلمه ومؤلفاته التي ربما كان أبرزها «ثمرات الأوراق» الذي تكرّرت طباعته مراراً.
تتركز كلّ مجموعة من الحوادث التي يذكرها حول معنى معيّن. فمما يذكره من وقائع تتصل بذكاء السؤال بطلب الحاجات من الحكام؛ أنَّ أبا دلامة دخل على المهدي العباسي، فأنشده قصيدة، يبدو أنها راقت للمهدي، فقال له: سل حاجتك! فقال أبو دلامة: هب لي كلباً! فغضب المهدي، وقال: أقول لك سل حاجتك، فتقول هب لي كلباً! فردّ أبو دلامة: الحاجة لي أم لك؟ فقال المهدي: بل لك، فقال أبو دلامة: إني أسألك أنْ تهبَ لي كلب صيد، فأمر له بكلب، فخاطب أبو دلامة المهدي: هبني خرجتُ للصيد أأعدو على رجليّ؟ فأمر له المهدي بدابة، فردّ عليه أبو دلامة: فمن يقوم 
عليها؟ 
فأمر له بغلام، فردّ عليه: فهبني قد صدتُ صيداً وأتيتُ المنزل، فمن يطبخه؟ فأمر له بجارية، فردّ أبو دلامة: فهؤلاء أين يبيتون؟ فأمر له المهدي بدار، فخاطب ابو دلامة المهدي: قد صيّرت في عنقي عيالاً، فمن أين لي أنْ أقوّت هؤلاء؟ قال المهدي: أعطوه جريب نخل، والجريب هو 
المزرعة!
عندما انتهى أبو دلامة الشاعر إلى تحقيق ما أراد، التفت إليه المهدي: هل بقيت لك حاجة؟ ردّ أبو دلامة: نعم، تأذن لي أنْ أقبل يدك!
الوقائع من هذا اللون في الكتاب هي بالمئات؛ فضلاً عمّا تكشف عليه من ذكاء وفطنة، فهي تفيض بالمتعة وتمنح قلم الكاتب المعاصر السعة والرصانة البلاغيَّة، وتهب عقله تواصلاً مع أسلافه. 
وقد كان من مزايا الطبعة التي بين يديّ، تحقيقها من قِبل العالم التراثي محمد أبو الفضل إبراهيم، وقد أحسن إذ أضاف إليها ملحقاً كتبه المؤلف، وجاء «ذيلاً» لكتاب «ثمرات الأوراق» بحسب تعبير الأقدمين!