وهي خطبة اخلاقية وعظية لها مضامين اجتماعية واخلاقية وتربوية ويمكن وصفها ورقة تهيئة عملية للشهر الكريم، تشكل بمجموعها حركة التعاطي مع هذا الشهر العظيم ليعمل الانسان على تطوير عبادته كما يعمل طوال السنة لتطوير عمله او مهنته او شركته.

وجاء في أول الخطبة النبوية: "ايها الناس انه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة" اي ان شهر رمضان هو من أقبل عليكم بهلاله ولم تقبلوا انتم عليه، ومن هنا جاء الحث على ترقب الهلال والنظر الى قلبك كيف هو شوقك الى شهر رمضان المبارك، وفيه ما فيه من السياحة الروحانية، فإن وجدت في قلبك شوقا اليه فأنت مؤمن وشهر رمضان يساوي عندك الصلاة والدعاء وقيام الليل وقراءة القرآن وفرحة الافطار وليس الجوع والعطش وترك التدخين فقط.

وسمي شهر الله لأنه شهر كله عبادة وتقرب الى الله وفي حديث للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، المشهورة بالخطبة الفدكية: (وجعل الصيام تثبيتا للاخلاص) لأن الصوم هو العبادة الوحيدة التي ليس لها ظاهر عمل في الجوارح، وهو عمل باطني فلا يتحمل ما تتحمله العبادات الباقية من الرياء.

وجاء وصف النبي الأعظم (ص) للشهر بالبركة، ومعنى البركة هي النمو والنفع الزائد والمبالغ فيه. وبركة شهر رمضان تعم كل المؤمنين، فالفقراء يتنعمون به من عطايا المؤمنين الميسورين، كما إن هؤلاء الميسورين يتزودون فيه لآخرتهم بما يملكون من مال وجاه، وفيه بركة التقارب والتحنن الزائد بين الارحام وبين الخصوم، وفيه ايضا بركة معنوية، إذ تتمثل بالقرب من الله سبحانه. وفيه البركة في الوقت، لأنها تحسب من العبادات والبركة في الدعاء باعتبار انه مستجاب. كما إن البركة تحل في الأجر باعتبار انه مضاعف. 

وهكذا فإن رسول الله (صلى الله عليه واله) يحثنا على البحث في موجبات البركة، التي منها الايمان بالله والعدل، والبيع بالآجل، واقراض المحتاج، والوضوء قبل الطعام، واعطاء الزكاة، ومواساة المؤمنين بالمال والطعام، وقراءة القرآن في البيت، والصدقة، والتجارة الحلال، والأكل جميعا، والسلام عند الدخول الى البيت، وطلب العلم، وصلة الرحم، والزواج، ومشاورة العقلاء. 

والابتعاد عما يسلب البركة ومنها حبس الحقوق اي عدم دفع الخمس والزكاة، والدين الذي في ذمة الشخص ومهر المرأة. ومما يسلب البركة ايضا السرقة، والزنى، وعدم شكر النعمة، والتهاون في الصلاة، اي عدم ادائها في وقتها، وكذلك شرب الخمر والمسكرات، والفرار من العلماء، والحلف بالله كذبا.