مروان عادل حمزة.. شاعر البساطة والحياة

منصة 2021/04/25
...

  البصرة: صفاء ذياب
كان في الثالثة والأربعين من حزنه
ولا أحد يعرف بالضبط
إن كان قد مات الآن
أم أنه ما يزال حزيناً!
كل ما نعرفه
هو أن أحداً بعده لم يضف لنا درساً واحداً
ولم يسألنا أحد بعده
عن واجباتنا البيتية
 
لم نكن نعلم أنَّ الشاعر الذي يكتب بهذه البساطة، وهذا التكثيف، وهذه الانسيابيَّة، الذي كان يجذب أسماع الحاضرين في جلسات المربد الشعري من دون أي خطاب متشنج أو صوت مرتفع، لم نكن نعلم أنَّ هذا الشاعر الذي ولد في العام 1965، وبرز بعد العام 2003، سيرحل بصمت من دون أي ضجيج أيضاً.
هكذا عرفنا الشاعر مروان عادل، الذي كان صديقاً للجميع، وفي الوقت نفسه حريصاً على أنْ يثبت للجميع أنه شاعر مختلف وإنسان مختلف أيضاً. وفي مجموعته الوحيدة التي صدرت بعد حصوله على جائزة شرق- غرب (طيور التراتيل المحنّطة)، يؤكّد هذا:
أجوب المساءات
ألقي التحية على الستائر النائمة والشرفات
أشرب الشاي مع حرّاس المباني والنواطير
ثم أعود إلى بيتي
مُقبّلاً أعمدة النور واحداً واحداً
لآوي أخيراً إلى أحضان أغنيتي المفضلة.
يقول في أحد الحوارات الصحفية: الذي أذكره من مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة، كنت أكتب إنشاءً وكان أستاذي في اللغة العربيَّة يوصيني بأنْ أكتب كل ما يخطر ببالي وليس أنْ أكتب ما يقترحه هو وقال: أنت من الممكن أنْ تصبح شاعراً ذات يوم، وكنت أحب القراءة بالرغم من أنني لم تكن لدي مكتبة خاصة بي، ولم أولد في عائلة مثقفة تقرأ، فكنت اقرأ أي كتاب في المدرسة أو كان مرمياً على الأرض.
أما عن بداياته التي كانت مع قصيدة التفعيلة، والتحوّلات التي مرّـ عليه، فيؤكّد أنه وجد نفسه في قصيدة النثر: ولأكن صريحاً كانت قراءاتي حتى تخرّجي في الجامعة جعلتني أشعر بالفرق بين ما أدرس وبما يكتب الآن، لم أتجه إلى الشعر، بل اتجهت إلى المعرفة قرأت كثيراً في الدين، الفلسفة، الجيولوجيا، الفيزياء وغيرها فأثريت معرفياً ثم عدت إلى الكتابة وعدم القراءة هي سلبية، لكن إيجابيتها عندما عدت إلى الكتابة، عدت وأنا شاعر، بدأت أكتب بأسلوبي الخاص ولم أتأثّر بغيري لأنّني أصلاً لم أقرأ لغيري، قد تكون هذه الإيجابية، وبدأت بقصيدة النثر وأجد الآن لها رواجاً في المهرجانات.
أما عن الموضوعات التي يتبنّاها في شعره، فيكشف مروان عادل في حديثه: لا أريد أنْ ألوم الآخرين وليس ممكناً أنْ أدعي أو افتعل أو أفعل أي شيء وأغض النظر عن الجوع والألم والحرمان وغياب الحرية وقلّة الكرامة والموت الذي كان يحدث في العراق، وأكتب قصيدة مترفة لحبيبتي وكأنّني أدّعي أن كل شيء على ما يرام، لم يكن كل شيء على ما يرام، كان كل شيء خارج السياق، وحتى الآن لا نزال خارج السياق، لا نتهم الزمن الماضي فقط، على الرغم من أنّنا تقدّمنا أشواطاً طويلة لا نزال نحتاج الكثير، فلم أكن أستطيع مغادرة هذه الأشياء، أنْ أغادر أحزان أهلي، أحزان أصدقائي وأبناء بلدي والإنسانية، لا أكتب شعراً مترفاً، لهذا شعرت بأنّني موكلٌ بالحديث عن كل هؤلاء، والذين يريدون من مروان عادل أنْ يكتب عن أمور أخرى، فلينتظروا أنْ يستنفد كل هذه الأمور فإنْ أبقى الله له عمراً، إنْ شاء الله، أذهب إلى مناطق أخرى ، فما زلت أنوب عن الحائط، البيت، الزقاق، مدرستي، أصدقائي، وعن البلد ودجلة والنخلة الفرات، إذا استطعت أن أستنفد كل هذه الأشياء، سأذكره بما تستحق وبما خلّفته في وجداني وذاكرتي عندها سأذهب إلى مناطق تعويميَّة وأقعّر في قصائدي كما يريد البعض.
وهو بهذا يؤمن أنَّ للشعر وظيفة اجتماعية، وأنه ليس مجرد تعبير عن ذات الشاعر، وهذه الوظيفة الاجتماعية للشعر يساعد عليها طبيعة مجتمعنا بالذات، التي تنظر للشعر بمكانة خاصة. ولذلك على الشاعر أن لا يبقى مكتفياً بنفسه ومنعزلاً، لأنَّ هذا لن يوصل شعره إلى أي مكان، بل عليه أن يتعامل مع أجهزة الإعلام والمؤسسات الأخرى، لأن هذهِ تمثّل الوسائل التي من خلالها يستطيع توصيل فعاليته الشعرية.
ويبيّن عادل طرائقه في الكتابة، قائلاً إنّ البساطة نوعان، نوع قد يكتبه الشاعر في بدايات تجربته الشعرية، ونوع آخر قد يكتبه في أواخرها، بعد أن تكون تراكمت عنده الخبرات والتجارب. ولكن الدور الاجتماعي الذي يتصوّره الشاعر لشعره له أثر أيضاً في تبسيط كتاباته، وهو ما يسعى إليه، لأنه يفكّر بوصول هذا الشعر بيسر إلى الآخرين. وإنّ البساطة التي يكتب بها هي بساطة مقصودة، وتتضمن الكثير من المعاني الأخرى بين طياتها، مما يتطلب نوعاً من التمعّن فيها
وفي مقالة له عن مروان عادل، يقول الروائي شوقي كريم حسن: لم يستقر مروان عند خيارات مجموعته، بل عمد إلى الفرار، باتجاه أمكنة ربَّما لم تك مكتشفة من قبل، فأزاح ركامات الغبار، ومنحها ألقاً وقوّة فعل، مصحوب ببناء أراه متفرداً، مازج بين ثيم قد تكون مكرّرة ومعمول بها، وأخرى ظلّت تعيش عتمة الوقت، يقرأ المتلقي تلك الرحلة التي تبدو أوّل الأمر صعبة المراس، لكنه ما يلبث أن يطمئن إليها، ويألفها، وتلك ميزة وضعت الشاعر أمام مهمّة وامتحان صعب، ما هي الطرق التي يجب اتخاذها من أجل الاستمرار؟ هل يظل داخل هذه الأطر التي تشابكت وتعقدت، وتحولت من وحدة عمل خاصة، إلى فكرة عمل جمعي؟ هل يفيد الشاعر أن يظل مع المجموع، دون أن تكون خطواته واضحة لا تتفق والخطو المتسابق من أجل الارتكاز والتميز؟
تحت هذا الوابل من المفاهيم، توقّف مروان عادل.. متأملاً شفرته ودلالاته، ورسائله التي تحوّلت إلى مغامرة وعي جمعية، كان ثمّة صمت وترقب، والكثير من الهدوء برغم صخب الشاعر واحتكاكاته المغامرة، صار يمكنه المراهنة على كل شيء، وإبعاد كلَّ مقصد، إلا الشعر الذي يحسه هو الخلاص برغم أن مروان عادل، يتقن تدوير النغم الموسيقي ويدق الأنغام بعذوبة، لكنه لا يريد ممارسة جنونه إلا مع الشعر، الذي لا يقف عن أسوار مدن المجموع، بل يحاول بناء مدينته الجمالية المائزة، وهذا ما بدأه فعلاً، واتضحت معالمه، ولا يحتاج لغير القليل من الدقة والصبر، وتفحّص تأملي لأنوات الشعر العراقي الذي فقد الكثير من عذوبته وبهائه، تجربة مروان عادل نبّهت إليها النقدية العراقية، وان كان تنبيهاً عرضياً يحتاج الى كشف اخر وترسيخ.
وعلى الرغم من أن مروان عادل لم يصدر الكثير من المجموعات الشعرية، لكنه كان حاضراً بقوّه في الوسط الثقافي، فلا يمر مهرجان أو ملتقى إلى وشارك فيه، وكان حضوره أدبياً واجتماعياً في الوقت نفسه، فعلاقاته الغزيرة، وارتباطاته بأكثر الأدباء العراقيين، جعلت منه شخصاً محوراً في هذه الفعاليات، لاسيّما في انتخابات اتحاد الأدباء في الدورات السابقة، التي جمع من خلالها أصواتاً تؤهله دائماً ليكون من الأسماء الأولى في تلك الانتخابات.
يشار إلى أن مروان عادل حمزة، ولد في بغداد في العام 1965،ى وحصل على بكلوريوس لغة عربية من كلية التربية- جامعة الموصل، وقد عمل حتى وفاته أستاذاً للغة العربية في معهد اعداد المعلمات.
ترأس مروان نادي الشعر للدورة الثالثة 2007، وحاز على الجائزة الاولى في الشعر في مسابقة دار الشؤون الثقافية عام 2006، كما حاز على الجائزة الأولى مناصفة في مسابقة محافظة بغداد 2008، وجائزة شرق غرب عن مجموعته (تراتيل طيور محنطة).. حائز على العديد من الشهادات التقديرية من بلده وعدة دول، وشارك في العديد من المهرجانات والملتقيات الادبية، كما مثّل العراق في الأسبوع الثقافي في الجزائر 2007.