المخطوط العراقي.. صورة مشرقة للموروث الفكري والتاريخي

ريبورتاج 2021/04/27
...

 عواطف مدلول 
لا يمكن معرفة هوية وثقافة اي بلد من دون الرجوع الى تاريخه، وما كان يحفل به من حضارة عبر الزمن، وذلك غالباً ما يكون مدوناً وموثقاً بالمخطوط الذي يعد افضل وسيلة تربط الماضي بالحاضر وتنقل طبيعة الحياة وقوانينها بمختلف الجوانب آنذاك، لذلك يحظى المخطوط باهتمام واسع من قبل كثير من البلدان ومن بينها العراق، وقد خصص يوم للاحتفال به في شهر نيسان من كل عام، سعياً للحفاظ على المعلومات القيمة التي يضمها والموروث الذي يزخر به.
 
افتتحت معارض دار المخطوطات والندوة التخصصية في هيئة الآثار بمناسبة يوم المخطوط العربي، فهي مناسبة استثنائية يحتل فيها العراق مكانة مميزة اذا ما نظرنا اليه بموازاة الدول العربية الاخرى، لوفرة التراث الثقافي والمعرفي والآثاري الذي يوجد فيه، وقد نجحت دائرة المخطوطات برعاية وكيل وزارة الثقافة والسياحة الدكتور نوفل ابو رغيف وباشراف من قبل رئيس هيئة الآثار والتراث في اقامة حفل خاص بتلك المناسبة، وجميع تشكيلات هيئة الآثار كانت لها مشاركة متميزة، فضلا عن الحضور النوعي لنخب اكاديمية سلطت الضوء على اهمية هذه المناسبة، اذ يعد ذلك النشاط باكورة اعمال الهيئة بعد جائحة كورونا، وكان موفقا جدا.
 
دار خاصة
بينما اوضح الدكتور ليث مجيد حسين رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث بوزارة الثقافة والسياحة والآثار، أن «العراق لديه آلاف المخطوطات المهمة والنادرة التي تحفل بها مخازن المتحف العراقي، وضمن الخطط المستقبلية في النية انشاء دار خاصة للمخطوطات، يتم بناؤها بكل مختبراتها وامكانياتها المطلوبة». 
 واضاف حسين :»عندما تكون هناك مشافٍ حديثة  يمكن المحافظة على المخطوط بشكله الناصع البراق الوضاء، اذ تكمن اهميته في كونه عبارة عن رسالة من الماضي الينا عن انجازاتهم واهم معارفهم التي كانت موجودة في ذلك الوقت بالاضافة الى انه يعد وثيقة عظيمة الاهمية لما ينقله من معرفة وادب وعلوم».
 
إرث إنساني
واشار حاكم الشمري مدير اعلام الهيئة العامة للآثار والتراث الى أن «الهيئة العامة للآثار والتراث احد تشكيلات وزارة الثقافة والسياحة والآثار احتفلت بيوم المخطوط العربي برعاية وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم واشراف رئيس الهيئة العامة الدكتور ليث مجيد حسين والدكتور احمد العلياوي المدير العام لدار المخطوطات».
 وتضمنت الاحتفالية تنظيم ندوة خاصة ومجموعة من المعارض، شاركت بها الدار مع عدد من المراكز المعنية بالمخطوط العربي، منها مركز فرات سامراء والحضرة القادرية والعتبة الحسينية والعتبة العباسية والوقف السني وغيرها من الجهات الاخرى، اذ كانت المعروضات الموجودة  عبارة عن الادوات المستخدمة في عملية صيانة المخطوطات، فضلا عن عدد كبير من الصور الفوتوغرافية الخاصة بعمل المخطوطات وحمايتها والتأكيد على قضية الاشياء المضرة بها مثل الحشرات وغيرها والادوات المستعملة الآن بعملية الصيانة عن طريق المشفى الخاص بالمخطوطات العراقية، اذ تضم الدار في خزائنها حوالي 47 الف مخطوط نادر ومهم، ويشارك العراق سنويا مع الدول العربية بتلك المناسبة بهدف التعريف باهمية المخطوط  بشكل عام وضرورة المحافظة عليه باعتباره ارثا انسانيا مهما للبشرية، لذا ندعو الجامعات والمراكز المتخصصة بالبحث العلمي لمراجعة الدار للاطلاع على ما موجود فيها من مخطوطات، لان اغلبها غير محققة».
 
بطاقة فهرسة
في حين قالت اسماء عبد الكريم عباس رئيسة قسم الفهرسة بدار المخطوطات العراقية بمناسبة يوم المخطوط العربي «كان الاحتفال موسعا وارتأينا أن نعمل لكل قسم عرضا لاعماله، فنحن لدينا خمسة اقسام، منها قسم التصوير الذي عرض اعماله من حيث تسلم المخطوط وتصويره الكترونياً، اذ يكون متوفرا للشخص الباحث من طلبة الماجستير والدكتوراه، ويعطى كقرص (سي دي) بدلاً من أن يراه كمخطوط اصلي، وايضا لدينا قسم الفهرسة واقمنا معرضا خاصا بعملنا من اول دخول المخطوط لنا، وعمل كارت بطاقي بسيط اولي يوضع فيه (الاندكس) العام وايضا بطاقة فهرسة وصفية تشمل معظم معلومات المخطوط من الغلاف الى الغلاف من حيث عنوان المخطوط واسم المؤلف والموضوع وسنة النسخ والقياسات وصورة للمخطوط من الاول الى الاخر يعني معلومات شاملة للمخطوط لغرض الطبع وايضا لدينا استمارة اخرى خاصة لتوثيقه الكترونيا  بهدف أن يكون في متناول الباحثين وقسم آخر هو قسم الصيانة وترميم المخطوطات يعرض اعماله من اول تسلم المخطوط ويصوره قبل أن يقوم  بعمل الصيانة والمراحل التي يجريها عليه من حيث بداية تنظيف المخطوط وترميم ما تلف منه بطرق فنية علمية، وكذلك هناك قسم الحيازة الذي يوثق المخطوطات الموجودة في بغداد والمحافظات، وفي هذا القسم لدينا دورات مكوكية كل ستة اشهر، نوثق المخطوطات او نراقب ما حصل بها من تلف او اي تغيير او مخطوطات جديدة حصلنا عليها وكل هذا يتم توثيقه ومنحه رقما يسمى رقم حيازة، وهي تبقى عند الحائز لكن ارقامها موجودة لدينا و اي شخص يتلاعب بها او يتاجر بها او يعرضها للتلف يحاسب، فنحن نحاول أن نتابع ونحافظ على المخطوط، كما لدينا شعبة الخط والزخرفة التي عرضت ما لديها من لوحات مقلدة من قبل كبار الخطاطين العراقيين لكبار خطاطين عرب واتراك وايرانيين، وكذلك عملنا لها فهرسة الكترونية على امل أن نطبعها بالمستقبل، والقسم الخامس هو خزانة المخطوطات الذي يحتوي على جميع المخطوطات والتي هي تقريبا بحدود46 الفا و175 مخطوطاً او اقل او اكثر، مسؤول هذا القسم  عن حفظها بالطرق الحديثة، ووضع شريحة امنية لها، اذ تبقى المخطوطة محمية داخل المتحف
 العراقي».
 
نفائس الوثائق
وبين محمد باقر الزبيدي مدير معرض العتبة العباسية طبيعة مشاركة العتبة بالفعاليات التي اقيمت في قاعات المتحف العراقي بيوم المخطوط والتي اشتملت على معرض لنفائس المخطوطات والوثائق، اذ ضمت بعض اللوحات الخاصة بالمصاحف الشريفة التي يعود تاريخها للفترة من القرن الاول الهجري الى القرن العاشر الهجري، فضلا عن عرض لبعض الوثائق التاريخية المهمة، منها وثيقة الماء المشهورة التي يعود تاريخها الى ما يقارب مئة وخمسين سنة سابقة، وايضا بعض اللوحات الخاصة بترميم المخطوطات ومعالجتها والمراحل المختلفة التي تمر بها المخطوطة الى أن تصل لمرحلة المخطوطة المرممة، وكذلك كان لنا مشاركة باصدارات مركز احياء التراث الخاصة بالمخطوطات غير المحققة واصدار لمجلة الخزانة الخاصة بالمخطوطات والآثار التاريخية.
واشار الزبيدي الى أن مشاركات العتبة العباسية واسعة، سواء في داخل العراق او خارجه، فقد كان لها حضور بالموسم العلمي الدولي الثالث في مؤتمر الوثائق والمخطوطات التاريخية في ماليزيا ومؤتمر التراث العربي الاسلامي في القاهرة ولديها مشاركات اخرى بما يتعلق بالدورات المقامة بتحقيق المخطوطات في جامعة اسطنبول بتركيا.
 
صور وترميم
من جهتها أعلنت بان عباس فاضل مسؤولة شعبة الوثائق بديوان الوقف السني، مركز المخطوطات والوثائق أن مشاركة الوقف هي الاولى بالاحتفال الذي اقيم مؤخرا وقد تم اختيار جزء مما موجود فيه من مخطوطات تم تصويرها وتقديمها للمشاهدة بتلك المناسبة، اذ يتوفر لدينا مشفى ترميم، فعرضنا الادوات المستخدمة به وانموذجا من شغل الترميم، وكذلك بعض المطبوعات التي تخص عملنا بالمخطوطات، منها فهرسة المخطوطات العربية لوزارة الاوقاف وايضا فهرسة المخطوطات المصورة القديمة التي يرجع تاريخها لفترات طويلة، وهناك طموح أن يكون هناك تعاون بالمستقبل ويتم تبادل الاستفادة مع دار
المخطوطات.
 
لوحات خطيَّة
وتحدث احمد محيي الدين رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية في امانة مسجد الكوفة المعظم عن مشاركة الامانة قائلا : «تم ذلك بواسطة اللوحات الخطية وهي عبارة عن مسابقة بمناسبة يوم الخط العربي والموافق يوم 12 رجب، و توافق ذكرى دخول الامام علي عليه السلام الى مدينة الكوفة المقدسة واتخاذها عاصمة للدولة الاسلامية، وهي كذلك مسابقة ضمن فعاليات مهرجان السفير الثقافي العالمي الذي تقيمه الامانة كل
عام».
 واضاف محيي الدين: «نكاد أن نكون الوحيدين في هذه المناسبة الذين شاركنا بلوحات فعلية خطية وغير مصورة، وهي ليست قديمة ولكنها جهود خطاطين على طول المهرجان والذي عقد لسبع دورات في مسجد الكوفة، وهي لوحات في جميع انواع الخط العربي، اذ دأبت امانة مسجد الكوفة  على ابقاء الخط العربي بتلك الروحية التي ابتدأ بها للتواصل مع الاجيال القادمة، خصوصا لما نمر به الآن من ثورة الكومبيوتر والفوتوشوب التي تقريبا عطلت الخط».
 
أجهزة متطورة
من جهته حدد احمد زغير جلاب من مركز الامام الحسين لترميم المخطوطات ورعاية الباحثين  بالعتبة الحسينية المقدسة، مشاركة العتبة بتلك المناسبة بعروض لما تقدمه المختبرات الموجودة بالمركز والتي هي : مختبر البايولوجي والكيميائي والمواد التي تدخل بعملية الترميم، سواء المواد اللاصقة او المدعمة او العجينة وصبغاتها وايضا الاجهزة التي تدخل في عملية صيانة وفحص وتشخيص المخطوطات، مضيفا: «كانت لنا فاترينا لعرض الادوات التي يستخدمها المرمم في عمله وكل ما يحتاجه من فرشات ونماذج لتجليد الكتب ومعرض للابرو ومعرض للصيانة الوقائية وما يجري عليها».
واكد جلاب أن مركز الامام الحسين مركز بحثي متخصص بطلبة الدراسات، اذ خرجنا حتى الان  تسعة طلاب، اثنان منهم طالبا دكتوراه وسبعة طلبة ماجستير، وشخص المركز بطريقة «البي سي ار» فطريات وعددها 13 وسجلها بالبنك الجيني للتقانات الاحيائية ونحرص على استخدام الطرق الحديثة وكانت لدينا دورة في جمهورية مصر بـ2020عن استخدام تقنية النانو لترميم الاخشاب وايضا دورات متخصصة في جمهورية التشيك  ومشاركات في مؤتمرات بماليزيا، وفي الجامعات ومنها القادسية وذي قار وسامراء، وعدة مشاركات اخرى دولية وداخلية، كما لدينا تنسيق وبروتوكول عمل مع هيئة البحث والتطوير الصناعي، اذ ان كل المخطوطات يتم فحصها باجهزة متطورة وتوجد فقط في هيئة البحث وايضا لدينا معهم بحوث مشتركة، كما قمنا بالتنسيق مع مركز المخطوط العربي بجامعة بغداد ومكتبة المخطوطات في الجامعة المستنصرية.