حديث القدرات الإلهيَّة في معركة بدر

منصة 2021/04/28
...

  الشيخ مقداد البغدادي
لم يكن الكفار يظنون أن الله سينصر المسلمين في أول مواجهة بالسلاح لهم مع أعدائهم، وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون الله حق معرفته، وإنما كانت هناك أحجار على أشكال تماثيل مختلفة يجتمعون حولها ويعتكفون عندها طلبا لحاجاتهم وخوفا من قوة رمزية لا يشعرون بها، ولذلك استصغر مشركو مكة قوة المسلمين وهم يواجهونهم في معركة بدر الكبرى، لأن عددهم كان ضئيلا مقابل قوة كفار قريش. في حين ان نصرة الملائكة للمسلمين في واقعة بدر الكبرى كانت متصلة بميدان المعركة بالدعم المعنوي لكي تطمئن قلوبهم، بدلالة الآيات القرآنية وأدلة أخرى منطقية وعقلية. 
إن الركون للغيبيات والكرامات لا يصنع الإنجازات، وإنما ينبغي للإنسان أن يأخذ بالأسباب الحقيقية، ويُعد العدة ويبذل الجهد ما أمكنه، ويُفوّض بعد ذلك أمره لله تعالى فهو الذي بيده التوفيق والسداد. وهذه الحقيقة أخذ بها المسلمون في واقعة بدر الكبرى، فحققوا انتصاراً كبيراً في أول معركة حاسمة بينهم وبين المشركين، وكل ذلك نتيجة تلك الروح الصامدة المؤمنة والمتوكلة على الله تعالى.
كان المشركون قد حشدوا لهذا المعركة كل ما بوسعهم من قوةٍ وعتاد، فكان عددهم (950) رجلاً، ومعهم 200 فرس، و700 بعير، إضافة لما يمتلكونه من سلاحٍ وعدة ومال. بينما كان عدد المسلمين لا يتجاوز 313 رجلا، ولديهم فرسان و70 بعيراً فقط. وكان الاثنان أو الثلاثة منهم يتناوبون على بعير واحد.
حدثت معركة بدر الكبرى في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، ولم يكن الرسول (ص) يُريد الدخول في الحرب، ولذلك نصح المشركين بأن يرجعوا من حيث أتوا، وهذا ما يُؤكده الأمر الإلهي: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾الأنفال، 61. لكن المشركين أبوا إلا أن تكون المعركة.
والسؤال هنا: هل بالفعل نزلت الملائكة وقاتلت مع المسلمين؟ هناك من المفسّرين والعلماء من يرى هذا الرأي، وذكرته بعض الروايات، ومنهم من يختلف مع هذا الرأي، انطلاقا من أدلة  ظنية مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم﴾، فالآية توحي أن مشاركة الملائكة لم تكن مادية، وإنما كانت معنوية، اذ إن المسلمين كانوا قلّة وأمام جيش كبير، فكانوا بحاجة إلى الدعم المعنوي، وللاطمئنان النفسي كي يُحققوا الانتصار. 
وكان عدد المقتولين من المشركين (70) قتيلاً، وهم معروفون، وحتى الذين قتلوهم من المسلمين معروفين، فقد قتل علي بن ابي طالب(ع) الكثير منهم، واشترك بقية الصحابة في قتل البقية. فأين هم قتلى الملائكة.
هناك قضية مهمة تتعلق بالغيبيات والكرامات وركون الكثيرين إليها. فالدعاء والتوسل هدفه رفع معنويات الإنسان ولجوؤه إلى خالق الكون لكنه لا ينبغي أن يكون مقروناً بالسعي، وبعدها تفويض الأمر للخالق الذي بيده التوفيق والسداد، وهذا ما تحقق بالفعل في غزوة بدر، حيث كانت معنويات المسلمين رفيعة، فاستطاعوا تحقيق انتصارهم على المشركين، فتقول الآية: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..﴾ العنكبوت، 69. ومن قصص بدرأن النبي (ص) قال لأصحابه: قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصاري: نعم، بخ بخ. فرد الرسول (ص): ما حملك على قول بخ بخ؟ قال: رجاء أن أكون من أهلها. فبشره النبي: إنك من أهلها، فلما سمع البشارة بالجنة رمى من يده تمرات كان يأكلها، وصاح: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، وبرز لقتال الكفار وُقاتل حتى استشهد. إن أي فئة تمتلك المعنويات الرفيعة وتؤمن برسالتها التي تُجاهد من أجلها، فإنها بتوفيق الله تعالى ونصره ستُحقق إنجازاتٍ رائدة، وهذه الحقيقة نافذة المفعول في أي زمانٍ ومكان.