رمضان ضيف عزيز فلنكرم وفادته

منصة 2021/05/01
...

  مرتضى صلاح
جاء شهر رمضان المبارك بالصيام، ليكون شهراً متميزاً عن باقي شهور السنة الهجرية، فقد عرف مختلفاً عما عرفته العرب قبل الاسلام، اذ كانوا يعرفون الاشهر الحرم بأنها المفضلة باشاعة السلام والطمأنينة، حتى كان الرجل يرى قاتل أبيه فلا يمسه احتراماً لتلك الأشهر الحرم، ولما قدم رمضان في السنة الهجرية الثانية صار سيد الشهور بلا منازع، حتى كان شهر الله تعالى وذلك لقدسيته، فهو الشهر الذي نزل فيه القرآن وهو الفسحة المخصصة للعبادة والخلاص من أدران النفس الماضية، وساعات الصيام تكسب المؤمن القدرة على التحكم بالرغبات والشهوات وكف الجوارح، عما يمكن أن يسيء إلى الآخرين، فنجد المسلم فيه يتقاسم وقته على خلاف ما في الشهور الاخرى، فلا يفسد ساعات صيامه بالامتناع عن الكثير من المباحات، فضلا عن المحظورات.
 
 وطريق الخلاص هو تحرر النفس من القيود المكبلة والعودة الى الله (جل وعلا) بالتوبة والإنابة لأنهما البابان المفتوحان في شهر رمضان، فالخلاص من الخبائث والاخلاص لله تعالى في العمل، محل لقاء والتقاء في هذا الشهر لأنهما يجمعان السمو والطمأنينة التي هي ديدن كل البشر، وحتى لا نفوت نعمة رمضان وأيامه، هيا نعمل من أجل أنفسنا والآخرين ونستلهم هذه المعاني العميقة التي تحفز فينا روح المنفعة، فعلينا بالتوبة من جهة وبالتغيير الذاتي من جهة أخرى، فهما طريقان يفضيان إلى العودة لطريق الله تعالى ويمهدان للوصول إلى الاهداف الكبرى، فليس ثمة زمن انقى من هذا الزمن الذي يمنح المسلمين الفرص المؤاتية للانطلاق على طريق الإيمان والتوحيد في الانعتاق من قيود الرغبات والشهوات وصولا إلى مرحلة السمو على الاخفاقات، وذلك لا يتحقق من دون أن يبدأ الإنسان بنفسه من اجل تغييرها، قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهنا نستثمر رمضان المعظم كمدخل لهذا التغيير، فهو ضيف عزيز نستعد له، بالصيام وتلاوة القرآن والصلاة، وتبدو لنا ثمرات ذلك التغيير مع هذا الضيف بتطهير القلوب والاقبال على الله تعالى بوجه جديد، بعيدا عن الذنوب راجين العفو وقبول الاعمال، فرمضان شهر كريم وموسم عظيم خصه الله بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن وفرض صيامه، فهو شهر البركات والخيرات، وتلاوة القرآن، والعتق والغفران، والصدقات والإحسان، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، وتجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتُصفّد فيه الشياطين.
فلا بد أن نعيش مع رمضان بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه، والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة إلى الاصلاح والابتعاد عن كل ما يؤثر علينا من اللهو واللغو والعبث وارتكاب المحرمات، والاقبال على تلاوة القرآن والصلاة والصدقة والدعاء وسائر العبادات، التي جعلها الله ميداناً لعباده يتسابقون إليه بأنواع الطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، فهلموا لنجهد انفسنا بالإكثار من الطاعات والعبادات وامساك الجوارح عن اقتراف الآثام والذنوب والمعاصي، فليتنبه الإنسان لذلك وليبتعد عما ينقض الصوم ويضعف الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر الذنوب، كالتهاون بالصلاة وأكل الربا والظلم وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور ومشاهدة المحرمات، ليتحقق بذلك معنى الصيام الصحيح، فلا بد أن تكون حياتنا في رمضان كما وصفه القرآن: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). هكذا بين الله تبارك وتعالى فضله وبين أن من أعظم فضائله إنزال القرآن فيه وجعله آيات بينات تتضمن سبيل الهداية والفرقان بين الحق والباطل وبين الطاعة والمعصية، وبين الإيمان والكفر، والرسول (ص) يذكرنا بفضائله: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب السماء»، إشارة إلى استجابة دعاء الداعين، وهكذا تعددت أسباب المغفرة وتنوعت، كأنها تدعو العبد الى أن يدخل على ربه ويعاهده ويغير من منهاجه ومن سلوكه المعوج طيلة السنة، فجعل الله هذا الشهر فرصة ربما لا تتكرر، ولهذا فمن ضيعها كيف يطمع في فرصة غيرها، فقد قَالَ النبي (ص): رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجنَّة».