ضحى عبدالرؤوف المل
ينخرط الكاتب في مجتمعه فتولد كلماته وفقاً لعصره، وربما لمستقبل امتلك مفاتيح تحليلاته وفق الأبعاد المعاصرة وتطوراتها تبعاً للمواقف التاريخيَّة الحاضر منها والماضي، وبدقة تعكس الواقع الذي يعيشه وانعكاساته الخلفية بتتطور يتمثل بقوة الكتابة التي يمتلك أدواتها، وبالقيمة الإنسانيَّة التي تتضاعف بعيداً عن التواطؤ مع أساليب الكتابة السياسيَّة وتفرعاتها.
فالأدب يفتح العديد من الحوارات مع العلوم كافة. ليتميز دوره من خلال الكتابة ومن يكتبها وما هي أهدافه؟
وهل الأدب قابلٌ للاختزال في زمن ندرة القراءة؟
وهل من نهاية للأدب في القرون القادمة؟
وهل يقاوم الأدب ضعف المجتمعات بقوته القادرة على البقاء بعيداً عن التأثر بكل ما يحدث من حوله؟..
كل هذه الأسئلة أو التساؤلات التي تفرض نفسها تبرز عندما نشعر أنَّ الكاتب المتأثر ببيئته قويٌّ بقوتها وضعيفٌ بضعفها وربما العكس. إلا أننا بعد أزمة كورونا والانفتاح التقني على شبكات التواصل الاجتماعي باتت هموم الحياة تبرز بشكلٍ أقوى، ونحن نرى مجتمعاتنا العربيَّة تئن أقلامها، وتحاول مقاومة إشكاليات وجودها بشتى الطرق التي يتم التعبير عنها. إنَّ الفن الروائي أو الدرامي أو الفني التشكيلي وغيره، وكل الأعمال المرتبطة بالأدب تشكل مفاجآت لأولئك الذين يستخدمون الأدب لإضعاف البنية المجتمعيَّة، وليس البحث عن سبل معالجتها واستكشاف نقاط الضعف لمعالجتها قبل فوات الآوان، وبتنافس يثير الدهشة خاصة بين الأقلام التي تفهم دورها، وتحاكي المستقبل بغموضٍ مبطن، وبمعنى الكتابة المستقبليَّة التي تكشف عن أخطاء الحاضر بفنٍ كتابي مقاوم لكل سلبياته، وحتى بمقدرة الكتابة وقوتها في تقديم الكثير من التحديات التي تتمثلُ بقوة الكتابة وأهمية الأدب أو الأحرى علاقة أي عمل فني بالأدب وعلاقة فعل مقاومة الكتابة بالمجتمع ضعفه أو قوته وعلاقتها بذلك. وهل الطرق المشفرة بالكتابة هي محاكاة لواقعٍ يراه الكاتب ويخشى أنْ يتحقق في الحاضر أو المستقبل؟
لا يمكن عكس هموم الأدب على هموم الحياة، لأنَّ للأدب دوراً بناءً في تقديم رؤية بناءة للمجتمعات وتقديم تحليلات تحمل في طياتها المفاهيم الإنسانيَّة وبتنوع يتمثل بتاريخ يضم بمصداقية الجوانب السلبية والإيجابيَّة، كما أنَّ لكل مجتمع أدبه الخاص. خاصة المجتمعات التي تعرضت لثورات ولمشكلات إنسانيَّة، ولتآكل سياسي أدى في معظم الأحيان الى تغيرات كبيرة تأثر بها الأدب، ونتج عنه الكثير من الأعمال الفنية والأدبية التي حملت بصمة لأدباء عظماء خلدهم الزمن عبر أعمالهم التي أصبحت تاريخيَّة حتى تمكنت الأجيال من خلق تصورات جوهريَّة عن أغلب الأحداث والمواقف لتبقى عبرة لأجيال حملوا لواء الأدب واستطاعوا استكشاف الاستنتاجات القائمة على الصياغات الأدبيَّة القوية إنْ بالشعر أو القصة أو الرواية وحتى النصوص الدراميَّة أو على فن الكتابة ودوره في إبراز الضعف والقوة في المجتمعات من دون معارضة للتاريخ، بل بتحقق منه وبتحليلاته الواسعة التي تعطي رؤية لقوة الكتابة ودورها في نقش الأدب أو مهمة الكاتب في إظهار هموم الحياة بعيداً عن الهروب والإنكار ليبقي الأجيال في تساؤل يعصف بأذهانهم ويقدم لهم لحظات حياتيَّة من خلال الكتابة.
فهل من اتجاهات متناقضة تتعارض مع الأدب؟ وهل من تأثير لهموم الحياة على الكاتب وإضعافه وبالتالي إضعاف الأدب؟
ربما قوة الكاتب من قوة مجتمعه، وإنْ بدت بيئته هزيلة أو ضعيفة إنْ استطاع الإمساك بحقيقة الكلمة التي يكتبها ويتوجه بها الى مجتمعه، ومن ثم الى التاريخ الذي يولد في الحاضر. التاريخ الذي يستكشفه الجيل الجديد من خلال الكتابة أو من خلال كل ما يتم كتابته أو حتى رسمه من عمل أدبي أو فني، وبقوة لا متناهية تبرز في إصرار الكاتب على تقديم الحاضر للماضي بأمانة أدبيَّة لا ضعف فيها. فهل الأدب وهموم الحياة وقوة الكتابة ثلاثية مهمة تركت لنا الكثير من الأعمال التي ما زالت تحيا حتى الآن؟