محلة عرب.. شاهد تاريخي على التعايش السلمي والأخوي

ريبورتاج 2021/05/01
...

  خالد ابراهيم
تضم مدينة اربيل العديد من المحلات والازقة القديمة والضاربة في عمق التاريخ والتي تحمل بين طياتها عبق التاريخ والحضارة، وهي شاهد على فترات وعصور تاريخية قديمة جداً، لاسيما وجود قلعة اربيل التاريخية والتي تعتبر سجلا حافلا يمتد لأكثر من ستة آلاف سنة، وتعتبر من اقدم المستوطنات الآهلة بالسكان، وقد تم ادراجها ضمن لائحة التراث العالمي الى جانب وجود  منارة الشيخ جولي وهي من المعالم التراثية والتاريخية للمدينة، وعندما تتجول في الازقة المجاورة للقلعة تشعر بعبق التاريخ والحضارة، مثل احياء التعجيل وخانقا ومحلة عرب وغيرها من الازقة القديمة التاريخية والتي بقيت الى يومنا هذا وتعد من الاحياء القديمة التي تحمل تاريخاً عريقاً وبقيت شاخصة الى يومنا هذا.
تاريخ أربيل
والزائر يمكنه أن يتمتع بالشواهد التاريخية والهندسية والتراثية للبيوتات آنذاك، ولفترات وحقب زمنية ضاربة في عمق التاريخ، ومما لاشك فيه انها جزء لا يتجزأ من تاريخ اربيل القديمة، واغلب البيوتات آنذاك ان لم تكن كلها انشئت وصممت على الطراز والهندسة الشرقية والتي يطلق عليها البيوت الشرقية، وتكون مفتوحة الى الداخل ومغلقة من الخارج، ويبدأ البيت بممر ضيق يصل الى باحة المنزل من الداخل.
 
تكيات ومقابر
وللحديث اكثر عن هذه المحلة وتاريخها والادوار التاريخية التي مرت بها قال الآثاري جمال جميل، الحاصل على شهادة الماجستير في الآثار ومتخصص بصيانة المباني الاثرية لـ"الصباح": "توجد وسط مدينة اربيل محلة تراثية قديمة يعود تاريخها الى ثلاثينيات القرن الماضي، فيها مقابر عديدة الى جانب وجود التكيات وفيها مقبرة آشورية تم الكشف والبحث عنها من قبل المديرية العامة للآثار في اربيل عام 2006 وتوجد فيها قبور اسلامية، اذ يوجد قبر يقع بالقرب من سلطان مظفر الدين كوكبري في العصر الاسلامي الحبكي، وتوجد ايضا قبور اسلامية بالقرب من النبي عزير والقبر الآشوري يقع تقريبا في الشمال الغربي لقلعة اربيل اي على قرابة 400 متر من القلعة التاريخية
لاربيل".
 
قرجاوة
البيوتات في محلة عرب ليست قديمة جداً، اما ما تحت هذه البيوتات فهي تاريخية وقديمة وتحمل بين طياتها الادوار التاريخية، ولهذه المنطقة تسميات اخرى ايضا فقد اطلق عليها اسم قرجاوة، ويقال ان احدى الاسر كان افرادها يعملون في فرن للخبز، وقدموا من غرب مدينة الموصل وسكنوا المنطقة واطلقوا بالبداية على هذا الشارع اسم شارع العرب، وبعد ذلك اصبح الاسم يطلق على كل المنطقة ويقال انهم سكنوا فيها في ستينيات القرن المنصرم حسب المصادر التاريخية، وبعضها يقول انهم كانوا اسرة واحدة وبعض المصادر الاخرى ورد فيها انهم سبع اسر جاءت الى هذه المحلة وسكنت فيها، وايضا مما ورد عن كبار السن والمهتمين بالشأن التاريخي والآثاري، انه كان سابقا يطلق الاسم على شارع واحد باللغة الكردية (كولاني عربان) اي شارع العرب، ولكن بعدها اصبحت التسمية للمحلة.
 
200 سنة
كل البيوتات الموجودة كانت على طرازين، الاول من تأثير شرق كردستان، اما الثاني فمن التأثيرات المعمارية الاخرى التي تعود الى الفترة العثمانية.
واردف جميل: "قرار حكومة اقليم كردستان في الماستر بلان لمركز محافظة اربيل على المسح لـ ( سي متري) اي الـ30 متر واجراء المسح الكامل للبيوتات التراثية وطبعا هنالك فرق بين التراث والآثار، فالتراث في القانون العراقي يطلق على ما دون الـ200 سنة، اما الآثار فتطلق على ما هو فوق الـ200 سنة، وقد قمنا بمسح كامل للمحلة والبيوتات والمقابر والتكيات الموجودة وكل العمارات السكنية ايضا، للمحافظة على التراث والموروث الموجود في محافظة اربيل القديمة، ولترميمها والمحافظة عليها من الاندثار والمحافظة على تاريخ المباني، وهذا من ضمن خطط وبرامج وزارة البلديات للمحافظة على الطرازات المعمارية التاريخية القديمة والبقاء عليها لتبقى شواخص تاريخية لسنوات، محافظة على الاشكال المعمارية القديمة".
 
خانقا وتعجيل
واضاف "هي محلة قديمة جدا تقع وسط المدينة وتحتوي على بيوتات قديمة جدا وكل المناطق والازقة القريبة من القلعة مثل محلة عرب وخانقا وتعجيل هي مناطق وازقة قديمة جدا، تأسست على مواقع اثرية، وكانت تعيش فيها مختلف الديانات، ففي محلة عرب، وحسب المسوحات توجد  كنيسة، وتكية وكذلك جامع اي ان الناس ومن مختلف الديانات يعيشون في هذه المحلة ومن دون وجود اي تفرقة، فكانت كل الديانات تعيش بكل محبة وسلام، وكما هو موجود اليوم في اربيل التي اصبحت رمزا للتعايش السلمي والاخوي بين مختلف الديانات والقوميات، فكانت الديانات بمختلفها من المسلمين والمسيحيين والكاكائيين وبقية الطوائف، تعيش في هذه المحلات والازقة وتوجد في اربيل الفترات الآشورية، اذ توجد كنيسة كبيرة في هذه المحلة ولكن لا توجد نتائج تنقيبات وتحديد الطبقات والادوار التاريخية في اربيل وقد وجدنا ايضا قبرا آشوريا في المحلة، وانا عضو لجنة التنقيبات في القبور الآشورية في محلة 
عرب".
آشور
وللحديث اكثر التقينا الخبير الآثاري خليل البرزنجي الذي اسهب لـ"الصباح" في الحديث عن المعلومات التاريخية لهذه المحلة قائلا "تعد محلة عرب من الازقة القديمة في اربيل وسط المدينة وبالقرب من القلعة التاريخية لاربيل وهي متاخمة لمحلة تعجيل، اي تقع في جنوب القلعة من الجهة الغربية الجنوبية، وهي منطقة قديمة واغلب البناء فيها يعود الى الفترة العثمانية وايضا فيها آثار آشورية وعن طريق الحفريات والتنقيبات نجد فيها قطعا وطابوقا آشوريا، وتضم قبرا آشوريا، وقبرا آخر يقع مقابل جامع الشيخ جولي وهو ثري جدا من الناحية التاريخية والاثرية اي انه ثري من ناحية القبور واللقى الاثرية والجرار، والقبر الآشوري يعود الى الفترة الآشورية مقابل جامع العلاف، ويطلق عليه باللغة الكردية مزارگا، وتم اجراء التنقيبات عليه من قبل دائرة آثار اربيل واستمرت التنقيبات لمدة ست سنوات وتم اجراء المسوحات لكامل الازقة في شارع الـ30 متري في المدينة، والقبر الاخر الذي يقع مقابل جامع الشيخ جولي، ومن خلال التنقيبات وعلى عمق ستة امتار تحت الارض تم العثور على القبر، وقد قمت انا بالمشاركة في هذه التنقيبات، ونلاحظ وجود قبور بالقرب من هذه المحلة مثلا داخل السوق القيصرية ونجد قبرا آخر على مقربة من اسواق نشتمان وقبورا اخرى ايضا، تم الابقاء عليها في اماكنها وهي تعود الى العصور الاسلامية ويقال انها تعود لرجال دين واصحاب كرامات آنذاك". واضاف "وبالعودة الى هذه المحلة، فانها تعد من المحلات والازقة القديمة مثل خانقا وتعجيل بقسميها، اليهود ومحلة عرب، وبعدها وفي ثلاثينيات القرن المنصرم وعند نزوح الاهالي من القلعة الى الجهة الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية، اما في الجهة الشمالية فتوجد محلة او منطقة تيراوة، وتعتبر محلة عرب من المحلات والازقة القديمة ولم يتم تحديد الفترة الزمنية لتأسيسها بالضبط، ولا يوجد تاريخ محدد، ولكن هذه المنطقة مليئة بالآثار الآشورية، فبعد جامع الشيخ جولي تم العثور على قبور آشورية وكذلك تم العثور على آثار وجرار ولقى، وقسم من الطابوق المستخدم يعود الى الفترات الآشورية واغلب البيوتات الموجودة هي في الفترة العثمانية والفترات الاسلامية، وعندما تم اجراء التنقيبات في هذه المحلة وفي واحدة من الساحات تم العثور على القطع الفخارية، والكثير منها تعود الى الفترة الآشورية والفترة الساسانية".
 
طراز عريق
اغلب الطرازات المعمارية الموجودة لكل البيوتات هي  شرقية، وتكون مفتوحة للداخل وليس للخارج، ومدخل البيت يبدأ بممر ضيق، ونجد بعدها باحة واسعة تحيط بها الغرف من الجوانب وهذه البيوت يطلق عليها البيوت الشرقية، ونجد من خلال المصادر التاريخية ومنذ أن وجد البناء في الميزوبوتاميا بلاد بين النهرين الى الآن هذه الطرازات، وبعدها قام الانكليز بتغيير هذه الطرازات واصبحت بالعكس البيوت مغلقة من الداخل ومفتوحة للخارج وهي الطرازات الحالية الموجودة في يومنا هذا، والطراز الشرقي يعتبر من اول الطرازات ومنذ العصور السومرية وفي القرى الزراعية وهي بيوت شرقية مفتوحة من الداخل اي تحتوي على ساحة في داخلها وتكون فيها ميزات من ناحية التغيرات المناخية وخصوصا في الصيف، اذ يكون فيها تبادل بطبقات الهواء من الداخل واستمر البناء بهذا الطراز سابقا، ونجد هذا الطراز موجودا في اغلب المدن القديمة، ونجد في بعض هذه البيوتات وسط الباحة من الداخل نافورة.