علي بن أبي طالب رائد الإنسانيَّة

منصة 2021/05/02
...

 د.عبد الخالق حسن
 
في مقدمة كتابه المشهور (علي بن أبي طالب سلطة الحق)، يتحدث عزيز السيد جاسم المفكر الذي غيبته سلطة الدكتاتور، عن شيئين يتعلقان بعلي بن أبي طالب، وهما الكتابة عنه والاقتداء به. يقول عن الكتابة إنها صعبة لكنها يمكن أن تكون يسيرة، أما الصعب المستصعَب فهو الاقتداء به. وله الحق في ذلك طبعاً.
صحيح أن الكتابة عن شخصية بقيمة الإمام علي (ع) قد تبدو مغريةً وتحمل في جنباتها نوعاً من الانبهار ورد الجميل والاحتفاء بمواقفه وأقواله، التي حملتها مراكب التاريخ وطافت بها عبر الأزمان، لكنَّ هذه الكتابة تظل قاصرةً عن الوصول إلى سواحل هذا البحر الذي أذهل العدو قبل الحبيب. نتذكر هنا قول البحتري حين سألوه عن أبي تمام فقال (إن أرضي تنخفض عند سمائه).
ما نقوله هنا لا ينطلق من منطلق التقديس المرتكز على الغيبيات فقط، بل إنه يتحرك في منطقة أرادها الإمام نفسه أن تكون واضحةً غير خافيةٍ عن العقول والعيون.
ففي كل قول أو فعل صدر منه كان يركز على الجانب الإنساني والأخلاقي في أعلى درجاته، ولعلَّ قولته الشهيرة التي دعا فيها إلى النظر للناس تحت عنوان الدين والإنسانية خير دليل، على أنه كان يبحث في المشتركات الإنسانية أكثر من بحثه عما يفرق. فليس الدين إلا السلوك الإنساني بصورته الناصعة، الدين الذي نقصده هنا هو الدين الذي يدعو للمحبة وليس الدين الذي ينتقص من قيمة الآخرين. مرَّ يوماً في إحدى معاركه على أطلال كنيسة، وكان يريد أن يتوضأ، ولما حاول بعض أصحابه قضاء حاجته في أطلال الكنيسة نهاهم عن الأمر، قالوا له (طالما أُشرِك بالله هنا، رد عليهم طالما عُبِدَ الله هنا). هذا يكشف بوضوح عن نظرة إنسانية شاملة تحترم الاختلاف مهما كانت مدياته، وليس هناك اختلاف يقارب اختلافك في الدين مع غيرك.
حتى في حروبه التي كان يخوضها، ظل الجانب الإنساني حاضراً عنده من دون غياب، ففي صفين طلب منه بعض مقاتليه أن يمنع الماء عن جيش الشام، لكنه رفض بكل ما في روحه من تعاطف وإنسانية، حتى في حديثه عن الخوارج مع كل ما صنعوه، كان يخاطب فيهم الجانب الإنساني، حين قال عنهم (إنهم أخوان لنا بغوا علينا)، بمعنى أنه كان يحاول إيجاد الأعذار للمخطئ حتى مع كون هذا المخطئ سار في طريق التخريب والقتل.
هنا يحضر الأمر الآخر الذي تحدث عنه عزيز السيد جاسم وهو الاقتداء بعلي، الذي هو فعلاً قد يصل إلى درجة المحال، لأن التسامح يحتاج إلى روح كبيرة لا تنتمي إلى الدنيا، بل ترى في الدنيا محطةً وطريقاً إلى حياةٍ أخرى تصافح الأبدية وتعانقها.
السلام على عليٍّ مرجع الإنسانية ورائدها.