أمير المؤمنين علي (ع): الدنيا أرادوا.. أم لله عملوا ؟

منصة 2021/05/02
...

  مرتضى صلاح
 
مع حلول الذكرى الأليمة باستشهاد مولى الموحدين الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، نستذكر معها حكمة الإمام وفلسفته في إدارة شؤون المسلمين، ونستلهم منه العبرة والدرس في تسيير أمور دنيانا وآخرتنا. فقد جاء الاسلام بأعظم قانون للبشرية فيه السعادة الدنيوية والأخروية من خلال كتاب الله العزيز وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يهتم بالمصالح والمفاسد فيأمر بما فيه المصلحة وينهى عما فيه المفسدة، وهو جوهر احكامه القانونية وعلى جميع المستويات فيعد القرآن والسنة النبوية الشريفة مصادر هذه القوانين للدولة الاسلامية. وقد طبق الرسول الكريم (ص) جملة من هذه القوانين على أرض الواقع في البناء الاساس لدولة المدينة المنورة لتبقى نبراسا للأجيال من بعده، وكل تلك الدروس والأحكام أورثها ابن عمه وجنديه الأمين علي ابي طالب (ع). ولما بويع أمير المؤمنين للخلافة أواخر سنة 35 للهجرة، سار على النهج الذي خطه الرسول الاعظم (ص) فنرى سياسته الادارية والمالية ممثلة بأجمل صورة من صور العدالة والمساواة للحاكم العادل على يد ابن عمه المرتضى (ع).
كان أمير المؤمنين (ع) يساوي في العطاء فلا يعطي أحدا من الفيء أكثر من حقه، ولا يأخذ توزيع العطاء ليوم أو ايام فقد نقل عنه (ع): (كان خليلي رسول الله (ص) لا يحبس شيئا لغد)، وكان (عليه السلام) ينضح (يرش) بيت المال بالماء ثم يتنقل فيه ويقول: (اشهد لي يوم القيامة اني لم احبس فيك المال على المسلمين). ومن هذه النصوص التاريخية يمكن ان نعرف مدى حرص الامام (ع) على ايصال المال لأصحابه وبأسرع ما يمكن وهو ما يؤدي بالتالي الى الحركة التجارية الاقتصادية ورفع الانتعاش المعيشي للمجتمع، وذلك لأهمية المال في حياة الناس، كما استخدم أمير المؤمنين (ع) القرعة لأجل قطع دابر النزاعات وتفشي الاقصاء من التقديم الكيفي والتفضيل في أخذ الحقوق والذي تسبب بالانهيار الاجتماعي ومن دون حل وسط يرضي الجميع. وهو ما عمله أمير المؤمنين في ظل حكمه. ولم يفضل أرحامه على المسلمين، وقصة أخيه عقيل معه مشهورة ومسلم بها. وكان يقول لأهل الكوفة: (يا أهل الكوفة إذا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فانا خائن)، حيث كانت نفقته (ع) تأتيه من غلته بالمدينة من أرض «ينبع» في الحجاز، وكان فيها عين ماء احتفرها بنفسه. ومن هذا يفهم عدم اخذه من بيت المال واعتماده على ما يأتيه من المدينة، وهي أموال كانت له قبل البيعة له بالخلافة. وقد حاول بعض اصحابه أن يثنيه عن هذه السياسة العادلة وأن يبذل الاموال للأشراف دون غيرهم ليكسب ودهم فاجابه علي (ع): (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)، وأما من فارقنا ليس عن جور بل ليلتمس الدنيا الزائلة.. ثم يسأل الجميع «الدنيا ارادوا، أم لله عملوا؟‘.. ثم قال «أتأمروني ان اطلب النصر بالجور؟! والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم، والله لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم».
واهتم امير المؤمنين (ع) بالقضية الادارية للدولة وبناء هيكلها بعد تسنمه منصب الخلافة، فابدل جميع الولاة، وكان لا يعطي الولاية لحريص عليها. ثم أعاد القطائع (الاراضي) الى بيت مال المسلمين، ونقل مركز الخلافة الى الكوفة، ووزع العطاء بالسوية بين الرعية، لم يفرق بين العرب والموالي في العطاء وتولي المناصب وغيرها من الامور. ولم يميز نفسه عن الرعية في العطاء، بل ساوى جميع أهل بيته ومواليه، وعمل على استقلال القضاء ليحقق العدالة بين جميع المسلمين، كما قام ببناء السجن الاصلاحي، أي اصلاح السجين لا مجرد عقوبته، وأسس بيت القصص، وهو ما يعرف اليوم بصناديق الشكاوى في أيامنا هذه.