قاسم موزان
في التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 هجرية ارتكب الخارجي عبد الرحمن بن ملحم جريمة نكراء بحق الإمام علي بن أبي طالب حين طعنه غادروا وهو يصلي وقت نافلة الفجر في محراب مسجد الكوفة، وابن ملجم يدرك تمام الإدراك من هو "علي" يعرف انه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأول المؤمنين برسالته السماوية و حامل سيف ذي الفقار الذي لا يخطئ فريسته الجهل والضلالة وهو وصهر النبي ورابع الخلفاء، وهو سيد البلغاء في كل الأزمان الذي استوعب بوعي متقدم ثقافات العصور التي سبقته.
في خلافة الإمام علي تعرضت الدولة الإسلامية الفتية إلى تصدعات شديدة الصعوية وفي أثرها اهتزت أركانها وتفرق أمر المسلمين، وهذا ما حصل في معركة الجمل ثم تلتها حرب صفين، التي عمقت هوة الخلافات والانشقاقات في صفوف المسلمين، خصوصا بعد عملية التحكيم الى رجحت الكفة إلى معاوية على خلفية ذلك تمرّدت فئة ضالة على الإمام واطلق عليها «الخوارج». وابن ملجم من أعضائها علما انه كان خادما له ويتيما والامام يحسن اليه.. وبعد ضربته النجلاء جيء به فقال له الامام (ع): ( أي عدوّ الله، ألم أحسن إليك)؟ قال: بلى.
فقال (عليه السلام): «فما حملك على هذا»؟ قال ابن ملجم: شحذته أربعين صباحاًـ يقصد بذلك سيفه وسألت (الله أن يقتل به شرّ خلقه).
فقال(عليه السلام): «لا أراك إلّا مقتولاً به، ولا أراك إلّا من شرِّ خلق الله»)
وطلب من ولديه الحسنين أن يكرما اسيرهما واذا لاقى ربه فضربة بضربة، بلا تمثيل بجثته. وهذه رسائل بليغة وجهها الإمام لوالديه ومن ثم الإنسانية جمعاء باحترام الأسير ثم عدم العبث بجثث القتلى والمجرمين مهما كان حجم انتهاكاتهم المرعبة فإنهم ذاهبون إلى عدالة الله.
جرح الإمام علي بن طالب ما زال ينزف في جسد الأمة الإسلامية والإنسانية، بوصفه رجلا عظيما ينهل العالم المتحضر الكثير من أقواله لتكون نبراسا ساطعا للأجيال القادمة، ولعل مقولته الأشهر وأصبحت جزءا من قانون حقوق الإنسان "الناس صنفان، اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
أنها صورة صادقة لمعارضة التمييز العنصري والديني والمذهبي، وعلى الجميع ان يعيشوا بسلام بعيدا عن لغة الحروب على اساس تلك الفوارق ونبذها.
ما احوجنا اليوم في ظروف العراق الحالية إلى رجل يحمل صفات علي وزهده ونزاهته في الدنيا وإيمانه الله سبحانه وتعالى.