ميادة سفر
غالباً ما نأتي باستحياء على ذكر عنوان: “الكتابة للطفل في المشهد الثقافي”!.. نأتي عليه، دونما ضجيج إعلامي ولا اهتمام من معظم المؤسسات الثقافية!.. ومن الطبيعي القول، وهو واقع الحال: قلة قليلة، وتكاد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وفي أحسن الأحوال عدد أصابع اليدين، أولئك الذين يتفرغون للكتابة للطفل!.. بكل بساطة، لأنه من الأجناس الأدبية الصعبة والتي لا يسلط عليها الضوء، ولا تأتي بمردود مادي، مما يضطر الكتاب إلى الالتفات إلى جنس أدبي آخر والقيام بعمل آخر، علهم يتمكنون من تعويض جهدهم الذي قلما تقدره بعض الجهات أو تتبناه.
شهدت، وتشهد، الكتابة للطفل تراجعاً كبيراً في البلاد العربية، واقتصرت في أغلب الأحيان على منشورات خجولة ومتناثرة هنا وهناك.. إذ لم يتمكن أدب الطفل من اختراق المشهد الثقافي وتثبيت أقدامه كرقم صعب، وبقي بعيداً عن اهتمام النقاد والمختصين، وحتى بعيداً عن الاهتمام الرسمي إلا ما ندر.. هذا اعتراف لا بد منه.
السؤال هنا: ما هي تلك العوائق التي وقفت في وجه أدب الأطفال؟.. واعترضت تطوره؟.. وأبعدت الكتاب عنه؟.. وما هو واقع ثقافة الطفل اليوم في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ فيها كثير من الدول؟.. وهل هناك من يكتب للطفل اليوم؟.. أسئلة مشروعة يحقّ لنا طرحها، والبحث عن إجابات عنها، وحتى توجيه أصابع الاتهام في وجه من تعمد إقصاء الطفل عن المشهد الثقافي، ما أدى إلى إفساح المجال أمام منظمات تتلطى خلف شعارات طنانة، لاقتحام المشهد، والاستثمار بالطفل، وتغذية عقله بما يخدم مصالحها، ويمهد الطريق لصناعة أجيال تتبنى معتقداتها وأفكارها.. والسنوات الأخيرة تشهد على هذا، حين بدأت بعض الجمعيات “الدينية” تحديداً أو المستترة تحت غطاء آخر، في تهيئة الأطفال ليصيروا قتلة المستقبل، وحملة راية عصابات داعش الإرهابية وأخواتها.
الكتابة للطفل تحتاج إلى مهارة عالية قد لا يمتلكها ولا يتقنها الكثيرون، بسبب الاختلاف والفارق الكبير بين وعي المؤلف والقارئ الذي هو الطفل.. كي يتمكن الكاتب من اختراق عقل الطفل، عليه أنْ يتقمصه، ويحاكي واقعه، ويدرك حجم قدراته الذهنية، ويلامس ذائقته الفكرية، ليتمكن من اختيار اللغة التي يخاطبه بها، وبالتالي التأثير على وعيه كمتلقي، والانتقال به من مكان إلى آخر، وتحريضه على التفكير والخيال، بما يغني عقله ويسهم في نضجه على نحو سليم وصحيح.
يعاني الأدب الموجه إلى الطفل مشكلة في بنية النص ومضمونه، بسبب غياب النقد والدراسات النقدية التي تكاد تكون معدومة لهذا الجنس الأدبي المخصص لفئة معينة، فضلاً عن غياب الإعلام عن الدور الذي يمكن أن يسهمَ من خلاله في التوعية لأهمية ثقافة الطفل، وتخصيص برامج بعينها لمناقشة مثل هذه القضايا، وإفساح المجال للطفل ليكون حاضراً في الإعلام، لا من خلال برامج الأطفال “وهذه تحتمل حديثاً آخر”، بل بدعم المبادرات الثقافية المهتمة بالطفل، عبر تسليط الضوء عليها والترويج لها.
أخيراً، كي لا يقال أننا لا نرى إلا النصف الفارغ من الكأس، وعلى الرغم من الصورة القاتمة للأدب الموجه إلى الطفل في عالمنا العربي، إلا أنّ المؤسسات الثقافية العربية، لا سيما الرسمية ممثلة بالهيئات العامة للكتاب التي تتبع وزارات الثقافة، ما زالت تولي اهتماماً، وإن يكن خجولاً بعالم الطفل، من خلال الاستمرار بإصدار المجلات والقصص الخاصة بالطفل، إلا أنها لا ترقى لمستوى أهمية هذه الفئة من المجتمع التي يعول عليها في صناعة وبناء المستقبل.
هي دعوة لتشجيع دور النشر للاهتمام بمنتج الطفل الثقافي، والمساهمة في إيصال الكتب والمجلات لأكبر عدد من الأطفال لتشجيعهم على القراءة أولاً، وتغذية عقولهم وفكرهم بما هو مفيد ثانياً، وبعيداً عن جمود المناهج الدراسية!.. لعلنا بذلك نقطع الطريق أمام تلك الأفكار الهدامة المتحجرة، ونفتح آفاقاً لثقافة الوعي والحرية والبناء.
غالباً ما نأتي باستحياء على ذكر عنوان: “الكتابة للطفل في المشهد الثقافي”!.. نأتي عليه، دونما ضجيج إعلامي ولا اهتمام من معظم المؤسسات الثقافية!.. ومن الطبيعي القول، وهو واقع الحال: قلة قليلة، وتكاد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وفي أحسن الأحوال عدد أصابع اليدين،