الدكتور صفد الشمري
في خضم ظاهرة الاندماج الرقمي التي يتعاظم أثرها في المجتمعات، صارت واحدة من بين أبرز تحديات النتاج الإبداعي العراقي المعاصر، ما يتمثل بضمانات حقوق ملكية المنتج، بوصفه من المصنفات التي تستلزم الحماية من الاعتداءات والانتهاكات، وهي تتطلب بالضرورة آليات ومسارات ومناهج، تضبطها تشريعات محلية ضامنة لحقوق الملكية!
ولكون المصنّفات الرقميَّة مشتملة على برامجيات الحاسوب والبيانات الرقميَّة ومحتويات الوسائط المتعددة، وبفعل شيوع الاستخدامات الرقميَّة، صارت تلك المصنفات تضم في حيثياتها المصنفات الأدبية والفنيَّة وغيرها من المصنفات التقليديَّة جميعها، التي يجري حفظها أو نقلها أو تقديمها أو الإخبار عنها عبر الأوعية الرقميَّة، بعد أنْ كانت تلك المصنفات محكومة في أساسها بنصوص التشريعات العراقيَّة النافذة، التي حددت آليات وقواعد تلك الحماية، منذ ما يزيد على عقود ثلاثة.
الوعي الغائب
المصنفات الرقميَّة اليوم، بمعانيها التي تشمل المصنفات العراقيَّة كلها، وبفعل غياب الوعي المؤسسي العراقي بالتعاطي مع استخدامات العوالم الرقميَّة، وعدم تمكن المنطومة التشريعيَّة العراقيَّة من إقرار النصوص المرتبطة بتنظيم أداء تلك الاستخدامات حتى اليوم، ولأسباب متعددة: هل توفر ضمانات حقيقيَّة لأصحاب تلك المصنفات، ممن يعانون أساساً من عدم قدرة الكثير منهم في إثبات ملكيتهم لها، وحمايتها من الانتهاك أو التصرف بأجزاء منها على وفق الشكل غير المقبول، سواء أحصل هذا الانتهاك أو الاعتداء محلياً أم خارجياً، وهل للجهات التنفيذية العراقية المعنية بتسجيل وإثبات وحماية تلك الحقوق اتفاقيات إقليمية أو دولية لحماية صاحب حق الملكية العراقي الذي يجري انتهاك حقوقه خارج بلاده؟
التجربة العالمية
تعدُّ حقوق الملكيَّة واحدة من عناصر صناعة المحتوى الرقمي ومحددات جودته، ضمن المتطلبات الدولية، على الرغم من النقد الذي يوجه إلى عدد من بلدان العالم، ومنها العراق، باعتماده النصوص التشريعيَّة التي تعود إلى الحقبة التي سبقت ظهور الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، بينما يرد المختصون بالشأن القضائي على هذا النقد بأنَّ النشر الرقمي “من أشكال وسائل الإعلام الحديثة في نشر الخبر أو المعلومة، ويدخل في مفهوم الوسائل الاعلامية في قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، وأنَّ لا بُدَّ من التأكيد على عدّها من وسائل الإعلام في هذا القانون”، ومنهم القاضي سالم روضان الموسوي.
وللأمانة.. فإنَّ حدود هذا الجدل لا يقف في العراق فقط، حين نراه حاصلاً على مستوى العالم، ففي وقت يوفر فيه الانترنت قدرة غير مسبوقة على الاتصال من دون الاعتماد على الوسائل التقليدية، إلا أنَّ العديد من البلدان ما زالت تحتفظ بتشريعات من الحقبة التي كانت فيها حرية الصحافة تنتمي الى الجهة التي تمتلكها.. وتمنح بعض الأفراد حق الرد على مقال تناولهم ويعتقدون انه خاطئ أو غير دقيق أو فيه تشهير أو تضليل من منطق أنَّ وسائل الاعلام التقليدية كانت في أيادي فئة محدودة، وبالتالي فإنَّ التبادل الحر للأفكار يتطلب إعطاء الذين يخالفونهم الرأي فرصة لابداء آرائهم.
الحالة العراقيَّة
يعتمد حق الملكية الفكريَّة في العراق على قانون حماية حق المؤلف رقم (3) لسنة 1971، وتعديله بموجب أمر سلطة الائتلاف ذي الرقم (83) لسنة 2004، ويجري تعليل العمل بموجب هذا القانون من قبل مؤلفي كتاب (أحكام القضاء في قضايا الملكية الفكريَّة)، الصادر عن دار المأمون للترجمة والنشر ببغداد في إصلاح القوانين الناظمة للقواعد الموضوعية للحقوق الملكية الفكرية وجعلها متوافقة مع الاتفاقات الدولية ذات الصلة، لا يمكن أنْ ينتج ثماره بدون إجراءات سليمة وفعالة لتنفيذ هذه الحقوق... فالإقرار والاعتراف بوجود أي حق بموجب نصوص قانونية موضوعية لا يكفي بحد ذاته من إنفاذ هذا الحق عن طريق الأجهزة المختصة حتى يمكننا القول إنَّ هذه الحق تمت حمايته
فعلاً.
وهنا يكون مصدر حق المؤلف القانون نفسه الذي ينص على أنَّ المستفيد تكون له بعض الحقوق من مصنفه أو أدائه أو نتاجه بأي شكل آخر، أي أنَّ القانون يكتفي بالإعلان عن الحق، وعليه فليس التسجيل شرطاً لقيام الحق، وهو طوعي –إنْ وجد- ويكفل اساساً وجود دليل ظاهر في حال نشوء نزاع، ومن هنا يتعين أنْ يقوم نظام الملكية الفكرية الوطني، أياً كان، على ثلاثة أركان: تتمثل في التشريع المناسب الذي ينص بوضوح على الحقوق في المجال المحدد، إلى جانب البنية الأساسية لإدارة الحقوق، مثل مكتب البراءات أو منطمة الإدارة الجماعية لحق المؤلف وغيرها، فضلاً عن الآليات الفاعلة للإنفاذ.
الحاجة الى التشريع
يرى المختصون بأنَّ أهمية دور القضاء العراقي في حماية الملكية الفكرية تفوق وجود النص التشريعي نفسه، الذي يقرر ويعترف بالحق أحياناً، إذ إنَّ وجود القضاء المؤهل في العراق مع عدم وجود النص التشريعي الخاص الذي يحمي حقوق الملكية الفكرية، على وفق معطيات الظاهرة الرقمية، يعطي نتائج افضل على صعيد الحماية.
إنَّ الحماية القضائية للمصنفات العراقية على تعدد أنواعها وأشكالها ومستوياتها، تتطلب كذلك ضرورة مراجعة التشريعات والقوانين المعنية بهذا المفصل، وتحديثها على وفق متطلبات الظاهرة الرقمية، التي تستلزم توافر بنى تحتية مؤهلة وقادرة على مواكبة نتاجات تلك الظاهرة، وفي مقدمتها تشريعات حماية حقوق الملكية الفكرية للمحتويات الرقمية، واجهزة تنفيذية مؤهلة لتأمين متطلبات الحماية اللازمة للمصنفات الرقمية الرقمية
كلها.