كنيسة الأقيصر تحت رحمة العواصف الرمليَّة

منصة 2021/05/10
...

 عين تمر: أ ف ب
حملت زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق الأمل في أنْ تفتح الباب أمام توافد أفواج من السياح لزيارة معالمه الأثرية وبينها الأقيصر، وهي من أقدم كنائس العالم، إلا أنَّ التغيّر البيئي والإهمال يجعلان هذه الكنوز عرضةً للضياع.
فكنيسة الأقيصر التي تعود إلى أكثر من 1500 سنة وتقع في صحراء قضاء عين تمر في كربلاء، إلى الجنوب من بغداد، شبه منهارة اليوم، إذ لم تبقَ منها سوى جدران متهاوية، بينما طمرت أرضها رمال الصحراء.
 
صيانة دورية
وقال منقب الأثار زاهد محمد: إنَّ «العوامل التي أدت للوصول إلى هذه المرحلة هي الظروف البيئية واتخاذ المنطقة معسكر رماية في عهد نظام صدام « بالإضافة إلى «عدم وجود صيانة دورية للكنيسة».
وأوضح قائممقام عين تمر رائد فضال: أنَّ «الصيانة تحتاج إلى أموال طائلة».
وأضاف «مخصصاتنا قليلة (...) ولا نستطيع بالتالي إجراء صيانة أو بحث عن المعالم التاريخيَّة».
وعلى بعد 60 كيلومتراً شمال هذا الموقع، تقع محافظة كربلاء المقدسة التي تجتذب ملايين الزوار سنوياً من مختلف دول العالم.
لكنّ المعالم السياحية الأخرى في المنطقة لا تستقطب هؤلاء.
ويناشد السكان والمسؤولون المحليون السلطات الإفادة من المواقع الأثرية مثل الكنائس القديمة والزقورة البابلية، مشددين على أنَّ الحفاظ عليها وتوفير الدعاية لها يسهم في جذب أعداد كبيرة من السياح إليها.
 
أستثمارات مهمة
وبحسرة، قال عبد الله الجليحاوي الذي يسكن في محافظة الديوانية المجاورة «الغرب والاميركيون يهتمون بآثارنا أكثر منا».
واضاف الجليحاوي «لقد عَمِل أباؤنا وأجدادنا مع الأميركيين منذ خمسينيات القرن العشرين في (حملات) التنقيب، لكنها انتهت» مع فرض الحصار الدولي على العراق في التسعينيات.
ودعا زهير الشعلان وهو محافظ الديوانية التي تضم أكثر من الفي موقع أثري، الى «الاستثمار في هذه المواقع» لإيجاد «فرص عمل جديدة في المحافظة المتعطشة إلى نهضة اقتصادية» يتطلع إليها العراقيون منذ قرابة عشرين عاماً عندما وعدت الولايات المتحدة بتحقيق الديموقراطية 
والازدهار.
وتضم هذه المحافظة مدينة «نيبور» التي كانت قبل سبعة آلاف عام تمثل أهم المراكز الدينية للأكديين والبابليين والمشهورة بمعابدها ومكتباتها وقصورها.
وكان لدى الشعلان، مثل كثير من العراقيين، بصيص أمل عند وصول فريق إيطالي للتنقيب عن الآثار بداية العام الحالي وبعده زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق خصوصا لموقع أور التأريخي حيث ولد النبي إبراهيم، قريباً من الديوانية.
لكن للأسف، كلها لم تخدم حتى اليوم في اعادة الحياة إلى تراث العراق الذي تلاشى جزءٌ كبيرٌ منه بسبب الاهمال والظروف
البيئية.
وسأل الجليحاوي بأسف «أين سيذهب السياح؟»، حتى لو اكتشفت مواقع جديدة أو أعيد تأهيل أخرى، في اشارة إلى الاهمال العام في ظل تزايد معدلات الفقر الى 40 بالمئة.
وأضاف «لا شيء قدم لنا! الطرق لم تعبد منذ الثمانينات ولم تثبت أعمدة للكهرباء منذ السبعينيات».
 
تغير مناخي
ورأى محمد طه الذي يسكن محافظة كركوك الواقعة في وسط العراق أن «إهمال المواقع الأثرية واضح».
ولاحظ أن «أفضل شاهد على ذلك (قشلة كركوك)»، وهي القلعة العثمانية ذات القبة الفيروزية التي فقدت كثيراً من أجزائها وباتت جدرانها اليوم مهددة بالانهيار.
وعلى مقربة من هناك، توشك قلعة كركوك التي يعود بناؤها إلى ثلاثة آلاف عام على الانهيار، الامر الذي يخفض اليوم فرص ادراجها على قائمة اليونيسكو كما هي الحال بالنسبة الى نيبور.
وترى السلطات المحلية أن تلك الأضرار تعود إلى هطول الأمطار بغزارة في هذه المنطقة الجبلية.
لكن هذا الأمر يمثل خطراً لغالبية مناطق العراق، كونه يواجه تهديداً كبيراً بسبب التغير المناخي.
فالتصحر آخذ في التزايد، وبلغ 50 في المئة من مساحة بلاد وادي الرافدين، الأمر الذي يهدد الحياة عموما وينذر بضياع أثار وحتى منشآت حديثة.
وذكّر الجيلحاوي بان «حزاماً أخضر كان يحمي المنطقة في سبعينيات القرن الفائت وثمانينياته».
لكن تلك الأشجار التي كانت تقف بوجه العواصف رحلت، إذ بينها ما أتت عليه قذائف الحروب المتكررة، بينما اجتث قسم آخر لتوفير مناطق للبناء العشوائي.
واختفت بالتالي تلك الطبيعة الخلابة ورحلت الأوراق الخضراء وتلاشت تلك الحواجز الطبيعية من جذورها. 
في المحصلة، ارتفعت درجات الحرارة ووصلت أحيانا إلى أكثر من خمسين درجة، ما شكل خطراً على صحة الناس، وكذلك تزايدت العواصف الرملية وهطول الامطار خلال مواسم الشتاء.
بالنتيجة، أصبحت المواقع الأثرية وحجارتها تحت رحمة العواصف الرملية التي باتت تهدد بإعادة مدن وادي الرافدين رمالاً من جديد.