بيداء مهدي
قال تعالى: (ما عِندكم ينفد وما عند الله باق).. ليكن نظرك الى ما عند الله دائما وبالخصوص ايام شهر رمضان المبارك، ولتكن همتك اكبر فانت مخير بين ان تقضي حاجة مؤمن او الذهاب الى وليمة دسمة. قل يارب انا اريد ما عندك وليس هوى نفسي، وحتما ستجد حلاوة ذلك إن عاجلا او آجلا، وقد جاء على لسان مريم (ع) في قوله تعالى: قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
قال الرسول (ص) عن شهر رمضان (يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات). وبهذا فضل الله شهر رمضان على غيره من الاشهر وتنسحب هذه الافضلية على لياليه وساعاته وذلك لكثرة العبادة والصوم فيه، فلم يرد في اي شهر غيره صيام 30 يوما واي عمل فيه يكون عبادة من تفطير الصائم الى قراءة القرآن الى الصدقة واي عمل فيه تكافل اجتماعي بر الوالدين وصلة الارحام. لننظر الى كلمات الرسول (ص) في خطبته: (هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من اهل كرامة الله انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة).
كلمة «دعيتم» كلمة عظيمة، ذلك لأن الداعي هو الله تعالى شأنه، وحاشاه ان يدعو من دون أن يوفر الرزق لمن دعاه، حيث يبذل فيه ما يبذل المضيف لضيفه من النعيم، واول واكبر نعمة هي نعمة شرح الصدر للعبادة والتوجه الى تعالى، فالمسلم يحظى في هذا الشهر بهذه الاجواء بعد ان طغت عليه المعاصي، بينما خلا من الشهور وصرفته عن العبادة والتقرب الى الله، فيجد في نفسه ميلا نحو العبادة وتلاوة القرآن الكريم.
أما ثاني نعمة، فهي كون الصائم من اهل كرامة الله. والكرامة على ثلاث درجات الاولى هي الكرامة العامة (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) فكل انسان اكرمه الله بالعقل والارادة والحرية والقدرة. والدرجة الثانية هي الكرامة الخاصة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ذلك ان المؤمن المتقي المحاذر على نفسه من الانسياق وراء المعاصي والشهوات المحرمة له كرامة ومنزلة. والدرجة الثالثة هي الكرامة المرحلية الا وهي الكرامة الرمضانية، وحتى يكون الشخص من عباد الله المكرمين في اجواء شهر رمضان ينبغي ان تكون آثار العبادة عبادة بذاتها، اما كيف يكون ذلك؟ فتشرحه عبارة انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة. فعندما يصلي الصائم النافلة تغفو عينه وينام، فمن كرامة الله ان يجعل نومه هذا عبادة واستمرارا للنافلة، فاذا اردت ان يكتب الله لك ثواب شهر رمضان وانت نائم فاسبق نومك بعبادة فيكون نومك استمرارا لها. واذا اردت ان يكون سكوتك عبادة فإسبق سكوتك بالتسبيح حتى تكون انفاسك بعدها تسبيحا، فأي نعمة اكبر من هذه!.
ويمضي النبي (ص) بخطبته قائلا: (وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب). إن ميزة هذا الشهر الفضيل هي قبول الاعمال، وينفرد شهر رمضان بهذا الضمان (دعاؤكم فيه مستجاب). وهي فرصة للتكلم مع الله تعالى شأنه، وطلب الحوائج منه لأنه ضمن الاجابة وقد هيئت للصائم اسباب الاستجابة من الوقت، وهي ساعة السحر وعند الافطار وفي ليلة القدر وعند اقامة الصلاة مع مراعاة آداب الدعاء من البدء بالبسملة والصلاة على محمد وال محمد والالحاح بالطلب والاقرار بالذنب، والاهم من ذلك كله هو خلو البطن من لقمة حرام، ففي الحديث ان لقمة حرام واحدة تمنع من اجابة الدعاء اربعين يوما.
ومن هنا علينا استثمار شهر الطاعة لترسيخ هذه المعاني السامية فيه، ونمضي في طريق الاستغفار لانفسنا واهلنا فقد قال الله العزيز في كتابه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). فالله هو غفار الذنوب وستار العيوب ولكن ما هي موجبات المغفرة. يقول الرسول (ص): من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله «عز وجل» عتق رقبة ومغفرةً لما مضى من ذنوبه. وقال كذلك من صام شهر رمضان ايمانا (اي مؤمن بالله سبحانه وتعالى ) واحتسابا ( اي يحتسب الاجر عند الله ) غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فشهر رمضان أوله رحمة واوسطه مغفرة وآخره اجابة (الدعاء) وعتق من النار. وعن علي امير المؤمنين (ع) انه قال: (عليكم في شهر رمضان بكثرة الدعاء والاستغفار، فاما الدعاء فيدفع عنكم البلاء، واما الاستغفار فتمحى به ذنوبكم). وصلاة ركعتين تطوعا في شهر رمضان يغفر الله بها الذنوب. وكف الاذى عن الناس من موجبات مغفرة الذنوب وعن رسول الله (ص): (من كف أذاه عن الناس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر). وهناك التأكيد على الصدقة، فمن تصدق في هذا الشهر بصدقة (حتى ولو قليلة) غفر الله له. إن الله سبحانه وتعالى خص هذا الشهر بليلة القدر ليغفر لعباده فيها ويبدل سيئاتهم حسنات، عندما يقومون باحيائها بالعبادة والصلاة والدعاء والندم والتوبة والاستغفار والتعهد لله تعالى بعدم العودة للمحرمات صغيرها وكبيرها (فلا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) ومن انسلخ عنه شهر رمضان ولم يغفر له فلا غفر الله له. ومن لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وال محمد فانها تهدم الذنوب هدما.