الصين تكسب معركة القضاء على الفقر

بانوراما 2021/05/10
...

  ليلي كيو
 ترجمة: بهاء سلمان
مع تصريحات إعلامية كبرى، صرّح الرئيس الصيني شي جيانبينغ مؤخرا عن تحقيق بلاده «نصرا كاملا» على الفقر الشديد. ففي خطاب طال ساعة من الزمن ألقاه الزعيم الصيني داخل قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين، أكد أن الحكومة تحت قيادته قد شنّت «حربا هائلة على الفقر» وأنها كسبت هذه الحرب برفعها مستوى معيشة مئة مليون مواطن. ووصفت وكالة الأنباء الرسمية شينخوا هذا الإنجاز بأنه «الطفرة العظيمة للألفية الحالية».
 
«هذا العمل يمثل مجدا وشرفا للشعب الصيني،» هكذا تحدث الرئيس قبل تقليده الأوسمة التكريمية للمسؤولين المحليين والساكنين الذين وصفوا «مقاتلين نموذجيين» في الحملة الحكومية، والتي اسماها «معجزة رائعة تتوهج لمعانا في التأريخ». وتأتي تصريحات الرئيس الصيني عن محو الفقر مع تسبب جائحة كورونا لأعداد من البشر بوصول 150 مليون فرد تقريبا الى حافة الفقر الشديد عبر العالم بأسره، وفقا لبيانات البنك الدولي، مؤكدا أن الصين خرجت من الأزمة العالمية بلا أضرار نسبيا.
مع ذلك، فالإعلان الصيني، الذي ألقي بكثير من التفخيم ولكن القليل من التفاصيل، يؤشر أيضا وجود أزمة ديموغرافية وشيكة الحدوث مع وقوع تقلّص بأعداد الطبقات العاملة من السكان، في خضم مجاهدة المصالح التجارية والشركات من أجل تحسن اقتصادي متوقف حاليا.
طيلة السنوات الثماني الماضية منذ ترأس جينبيانغ لقيادة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، أنفقت الحكومة نحو 248 مليار دولار لأجل تخفيف حدة الفقر، ليقوم المسؤولون المحليون بزيارة ميدانية لتحديد الأسر الفقيرة وتسليم المعونات من القروض الميسرة لاجل تربية الحيوانات. ويقول الخبراء إن هذه السياسة تعد أساسية لإرث جيانبينغ لتقوية وضعه كأقوى زعيم للبلاد منذ عهد الزعيم ماو تسي تونغ، الأب المؤسس للحزب الشيوعي الصيني.
يقول كارل مينتسنر، أستاذ القانون بجامعة فوردهام، والمتخصص بالشأن الصيني: «إدعى شي جيانبينغ تحقيق النصر على فايروس كورونا، والآن هو يزعم انتصاره في الحرب ضد الفقر، ما يمنحه القدرة على الإدعاء بتحقيق الانتصار ضد أخطر تحديين تواجههما البلاد؛ وهذا يعد أمرا حاسما إن كان يسعى لوضع نفسه في موضع زعيم أقرب إلى شخصية ماو».
 
بهرجة دعائيَّة
وخلال الاحتفال الذي تحدث فيه الرئيس مؤخرا، وضعت راية عملاقة غطت جدران القاعة الكبرى، تدعو البلاد إلى توحيد كلمتها خلف قيادة جيانبينغ «لكونه يمثل الاساس»، و»إدراك الحلم الصيني بتحقيق التجديد العظيم للأمة الصينية.» وغنّت مجاميع تمثل الأقليات الإثنية عبر البلاد التالي، خلال الاحتفال: «من دون الحزب الشيوعي، لن تكون هناك صين جديدة،» على سبيل المديح لحملة جيانبينغ. وقبل الخطاب بيوم واحد، خصصت صحيفة الشعب اليومية الرسمية الواسعة الانتشار ثلاث صفحات كاملة حول قيادة جيانبينغ خلال المعركة التي أخرجت «جميع أبناء الأرياف» و»جميع المقاطعات الفقيرة» من حالة الفقر. وأعلنت المقالة الطويلة «أن مشكلة الفقر المدقع التي ابتلينا بها على مدى آلاف السنين قد وصلت إلى نهايتها».
لكن لم يدلِ الرئيس، ولا وسائل الإعلام، بأي إيضاحات حول كيفية احتساب الأرقام، وأي عتبة تم استخدامها للإنطلاق بالحملة، لتثار تساؤلات حول المعايير المعتمدة. في العام 2019، عرّف مكتب الإحصاء الوطني الصيني الفقر الريفي بوصول دخل الفرد الواحد لأدنى من 365 دولارا سنويا، بينما عرّف مسؤولون سابقون خط الفقر بمدخول أقل من 620 دولارا سنويا، أو ما يعادل نحو أكثر من دولار ونصف دولار لليوم الواحد، وهو أقل من عتبة البنك الدولي البالغة نحو أقل من دولارين يوميا، بيد أنه أدنى بكثير من مبلغ خمسة دولارات ونصف التي يوصي بها خبراء الاقتصاد بالنسبة للدول المصنّفة ذات الدخل فوق المتوسط.
 
قلة الأعمال
وفي الوقت الذي يتوقع فيه نمو الاقتصاد الصيني بنحو 8 بالمئة هذا العام، لم تتم استعادة مستوى الإنفاق الاستهلاكي للفرد بشكل كامل. ويعتقد المحللون بارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من المعلن من قبل المسؤولين؛ كما يتوقع أيضا أن يعاني الخريجون الجامعيون الجدد هذه السنة من الحصول على وظائف، كما إن انخفاض معدلات الولادة يهدد بتقويض التنمية.
ويشير محللون آخرون إلى أن العديد من السكان يعانون، حتى بمستويات أعلى من خط الفقر. وفي تعليقات له أثارت جدلا وطنيا، قال رئيس الوزراء الصيني لي كيتشيانغ في العام الماضي أن نحو 600 مليون مواطن، يؤلفون تقريبا 40 بالمئة من سكان البلاد، يعيشون على مبلغ 155 دولارا شهريا.
وشهدت الأيام التالية لإعلان الرئيس الصيني هيمنة حملة تخفيف حدة الفقر على العناوين الرئيسة للمواد المنشورة على وسائط التواصل الاجتماعي، مع مراقبة بعض النقاشات بعد طرح مستخدمي الانرنت أسئلة حول الأرقام. فقد سأل أحدهم عبر موقع صيني معروف للتواصل الاجتماعي؛ «هل يستطيع أي أحد أن يخبرني بماهية المعيار الرسمي للقضاء على الفقر؟ ولماذا يمكنني حتى الآن رؤية أناس يتسولون في الشوارع؟»، وتندر آخر قائلا: «قضت الصين على الفقر المدقع. هذا صحيح، فالكل هم فقراء بشكل نسبي».
وتحدث أشخاص آخرون بشكل ساخر، عن عدم شمولهم بالإحصاءات. «أنا ما أزال فقيرا للغاية،» قال أحدهم معلقا؛ وقال آخر: «ربما نسي الوطن أن يسجلني في حساباته».