نافع الناجي
تنهمر الوعود والتطمينات في كل عام بموسمٍ صيفي مزدان بكهرباء منعشة تلطف الأجواء اللاهبة، ليجد المواطن نفسه أمام المشكلة ذاتها، وان لا مصداقية لتلك الوعود على الإطلاق، لأن الأعذار جاهزة كما جرت العادة، فلا مناص من الهرب صوب مولدة الحي او الاستعانة بمولدات منزلية صغيرة، ولا يكاد يخلو بيت عراقي من مبردة تعمل بالماء، لكونها تتوافق مع (امبيرات قليلة) توفرها مولدة السحب.
ووسط هذه الأزمة التي تتكرر كل عام، تنتعش تجارة أجهزة التبريد ومولدات الطاقة التي كتبت على العراقيين مزاولتها واقتناء ما يتيسر منها، في كل موسم حر قائظ.
(الصباح) كانت لها هذه الجولة في الأسواق المحلية بمدينة السماوة، لرصد أبعاد هذا الموضوع.
رخيصة واقتصاديَّة
منتظر انور صاحب محل لبيع المبردات واجهزة التبريد، قال إن المواطن يقبل على شراء المبردات اكثر من اجهزة التكييف الاخرى (شباكي، جداري، صندوقي) لعدة أسباب، لعل أهمها غياب الكهرباء في موسم الصيف، ولكون المبردات تعمل بأمبيرية قليلة فهي مناسبة، فضلا عن رخص ثمنها وتوفر قطع غيارها مما يجعلها خيارا مفضلا لدى عامة الناس.
وحول الأنواع المتوفرة، أوضح منتظر انها بالعشرات، لكن أشهرها الإيرانية الخفيفة الوزن والمزودة بـ(واتربمب غطاس) وهذه تكون أسعارها مابين 150 الى 250 الف دينار مثل برفاب وياسان وغيرهما. لافتاً الى أنه يبيع عشرات القطع من هذه المبردات اسبوعيا للمواطنين، لاسيما في اشهر الصيف اللاهبة (من حزيران وحتى آب).
وعن كمية أجهزة التكييف الكهربائية التي يبيعها كالمكيفات الشباكية او السبالت بنوعيها، فلخص انور الموضوع بقوله: «ليس هناك اقبال كبير عليها بالوقت الراهن، بسبب غياب الكهرباء».
مبردات للدواجن!
أحد المواطنين (رفض ذكر اسمه) قال لنا: قد لا تعلمون أن هذه المبردات التي تستخدم الماء، تم تصنيعها خصيصاً لكي تستخدم في بعض البلدان لتلطيف الأجواء بمشاريع الدواجن، لكنها في العراق صارت سلعة يستخدمها البشر، بسبب ندرة التيار الكهربائي، لاسيما من قبل الفقراء وذوي الدخل المحدود. مضيفاً لقد اصبحت اجهزة التكييف والسبالت مجرد ديكورات خاوية في منازلنا، بسبب قلة ساعات تجهيز الطاقة الوطنية مقابل ساعات تشغيل مولدات السحب، حسب
تعبيره.
وعن منشأ توريد هذه المبردات، قال المواطن انه يرى معظم التجار الكبار في الكرادة، لكنه يعتقد ان قلة قليلة تصنع في العراق، بينما اغلبها يأتي من ايران والهند وغيرها.
حكاية المولدات المنزليَّة
وبالتوازي مع ازدهار تجارة المبردات، تنتشر تجارة المولدات المنزلية سواء تلك التي تعمل بالبنزين التي تولد مابين 3- 5 (كي في) كحد اقصى او تلك العاملة بالديزل، والاستعانة بالمولدات يعد حلا أو (أهون الشرّين) شر الكهرباء وشر مولدات الأحياء (السحب)، التي يتفنن بعض أصحابها باستغلال المواطن ورفع قيمة الأمبير الواحد الى مبالغ كبيرة.
يقول حسنين كاظم، صاحب احد متاجر بيع المولدات: إنَّ كثيرا من زبائنه يفضلون شراء المولدات المنزلية الصغيرة، التي تعمل بالبنزين ويكثر الاقبال عليها مع أول موجة حر تضرب البلاد. ويضيف هذه المولدات قادرة على توفير التيار الكهربائي لمنزل مستقل ويمكن تشغيل عدة اجهزة كالثلاجة والتلفاز والمراوح والانارة ومبردة او اكثر. ويستدرك كاظم، لكن بعض المواطنين (وهم قلة) يفضل مولدات اكبر تعمل بالديزل، لكونها توفر طاقة اكبر ولا تحتاج الى تبريد مثل سابقاتها الصغيرة، فضلا عن الامان الذي توفره لكون الديزل لا يحترق ولا يسبب حوادث مثل البنزين، ويمكن خزنه في براميل او حاويات بلاستيكية من دون الخشية من انفجاره.
تحوير المولدات
في ورشة صغيرة، شاهدنا الفتى حسام كامل يعمل على تحوير بعض المولدات العاملة بالبنزين، عبر تغيير بعض منظوماتها، لكي تعمل على اسطوانة الغاز السائل (غاز الطبخ) وحين سألته عن السبب، اجاب، ان «بعض المواطنين يجدون توفير اسطوانة الغاز أجدى وأسهل واقل تكلفة من الشراء المتكرر للبنزين لتشغيل المولدات المنزلية «، لكن حسام اشار ايضا الى انهم في الورشة يحورون محركات سيارات (ميني باص) قديمة نوع كيا، ويضيفون رأس توليد نحاسي اليها كي تصبح مولدة تنتج 70- 100 أمبير، حسب وصفه.
ويضيف «ان بعض المواطنين يتشاركون في مولدة (كيا) واحدة، لاسيما ان كانوا جيرانا او اقارب في بيوت متقاربة، لتقليل كلفة الوقود عليهم والاستفادة من عدة امبيرات تنتجها تلك المولدات.
وختاماً، فبالرغم من أن المواطن العراقي بات يهرب من حمأة الصيف وسخونته التي تتجاوز احيانا (50 درجة) عبر اللجوء لتلك المبردات التي تستخدم الماء في تلطيف الجو، لكن المشكلة تتعمق في الماء نفسه، اذ يختفي ويشح احيانا مع ارتفاع درجات الحرارة في مقاربة فريدة ومزعجة!، لكن اللافت ان الشعب العراقي بات يكيّف نفسه مع ظروف قهرية صعبة يعايشها سنوياً، مع تكرار ضعف المنظومة الكهربائية الوطنية، التي لا يبدو أن هناك افقاً لتحسنها في المستقبل
المنظور.