غفران حداد
كثيرة هي الصحف والمجلات الأدبيَّة المصرية التي كانت تصدر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وقد خصصت باب «بريد القراء» في إحدى صفحاتها وكان يحررها مشاهير الكتّاب أمثال: مأمون الشناوي،عبد الوهاب مطاوع، ويوسف إدريس، لنشر رسائل القراء تحمل في سطورها هموماً ومشكلات عاطفيَّة وخلافات أسريَّة وصلت إلى طريق مسدود، أما في العراق فكانت مجلة ألف باء التي تصدر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أشهر من برز فيها باب «بريد القراء» وتتكون من صفحتين إحداهما صحيَّة يرد عليها أطباء متخصصون أو مشكلة قانونيَّة يرد عليها قاضٍ نزيه أو دكتور نفسي أخصائي في العلاج النفسي والسلوكي.
كان باب «بريد القراء» يعدُّ التفاعل الوحيد بين الصحف والقراء لنشر رأيه على مقال نُشر أو تصحيح خطأ ما، ويشرف عليها محرر متخصص يختصر الرأي وتخضع لمعايير النشر من حيث سلامة اللغة العربيَّة وعدم بث اتهامات لأشخاص بدون دليل.
هذه المتعة التي كانت تحملها الرسائل الورقيَّة إلى باب القراء نفتقدها اليوم في ظل الثورة الرقميَّة، إذ إنَّ هذا الباب ما عاد موجوداً في معظم الصحف العراقيَّة واللبنانيَّة باستثناء بعض الصحف المصريَّة مثل جريدة «القاهرة»، «المشاهير»، وجريدة الصباح الغراء التي خصصت صفحة الباب المفتوح للرد من خلالها على مشكلات المواطنين مع الدوائر والوزارات الحكوميَّة ولكنها غير متخصصة بالمشكلات الأسريَّة والعاطفيَّة التي تميّز بها باب «بريد القراء».
الثورة الرقميَّة اليوم غيرت الكثير من ملامح الصحافة الورقيَّة التي اعتدنا عليها، فأصبح الموقع الإلكتروني لكل صحيفة يتيح التعليق بشكلٍ مباشرٍ من قبل القارئ ولا تخضع حتى لإشراف الصحيفة أو المجلة بل حتى بعض التعليقات بعيدة عن آداب الحديث والنقد البنّاء ويدخل كثيرون بأسماء مستعارة ينشرون آراءهم بلغة ركيكة لا تصلح للنشر.
قبل ظهور الثورة الرقميَّة برز عشاقٌ لأهم الفنانين في العالم العربي من خلال «بريد القراء» كان أشهرهم «مجنون أم كلثوم» ويدعى محمد حسين حجازي، الذي كان يقوم بمراسلة جميع الصحف المصريَّة والمجلات الفنيَّة الأسبوعيَّة للتعقيب على حياة وأغاني الست، بل استمر بكتابة الرسائل ويصحح أية معلومة تنشر عن أم كلثوم.
اليوم في القرن الحادي والعشرين وبوجود التطبيقات من «الفيسبوك»، «التويتر»، «الانستغرام»، أصبح عشاق النجوم يعبرون عن حبهم لمطربيهم المفضلين عبر صفحات الفنانين بل وينشرون تصوير حفلاتهم التي يحضرونها والتعليق عبر منصات (السوشيال ميديا) على الأغاني ونشر الصور التي التقطوها معهم من خلال حساباتهم والتطبيقات البرمجيَّة التي اشتركوا بها وليسوا بحاجة للتعبير عن رأيهم أو مراسلتهم من خلال زاوية تخصصها صحيفة أو مجلة.
لقد أصبح النشر الإلكتروني بديلاً للرسائل الورقيَّة، ربما تم اختصار الوقت والزمن ولكن لم يعد يحمل نكهة انتظار صدور المطبوع وفرحة نشر الرسالة واسم المرسل.
وبعد أنْ كان من أهداف الصحيفة وجود باب بريد القراء لزيادة نسبة التوزيع للصحيفة، أصبح اليوم تسجيل عدد مرات دخول القارئ للموقع الإلكتروني للجريدة وعدد اللايكات والتعليقات لموقع الجريدة عبر الفيسبوك والإنستغرام معيار تفاعل القراء مع الصحيفة.
رغم كل هذا التغيير في ظل الثورة الرقميّة التي فرضت وجودها وبقوة، إلا اننا نتمنى عودة باب «بريد القراء» وتفعيل عمل ساعي البريد والعودة الى كتابة الرسائل الورقيَّة المعطرة، فلها عشاقٌ اوفياءٌ كثيرون، مثلما هناك قرّاء أوفياء لرائحة الورق وحبر الكتب الورقيَّة بدل تصفحها إلكترونياً.