ضحى عبدالرؤوف المل
يقتصر هذا المعنى على معرفة ماهية الحقيقة الحياتيَّة وانعكاسها على الواقع الأدبي، وبالتالي القدرة على تشكيل النصوص المفعمة بالرؤى والإلهام بعيداً عن الافتراضات الخاطئة التي من شأنها تكوين صورة مشوَّهة عن حقائق حياتيَّة تكونت تبعاً لإحساس داخلي مرتبط بالذاتيَّة، ولأسبابٍ تحليليَّة نابعة من قدرة الكاتب على الاستنتاج الفعلي لعدة أحداث ارتبطت بالواقع الحياتي. لكنها انعكست أدبياً من خلال عدة أسباب مرتبطة بالخيال وقوته، والسرد والحبكة والعبرة، ليصبح الواقع الأدبي هو إنتاجٌ لحقيقة تتوافق مع تعبيرات الكاتب ورؤيته الاستعاريَّة، لخلق رواية واقعيَّة تكونت خيالياً من استنتاجات غرضها الرئيس استعراض الحقائق الحياتيَّة بعيداً عن البراهين والأسباب وبربط خاص بين الأدب والحقيقة، وضمن تنوعات الواقع الأدبي وعقلانيته في رؤية المشكلات وتقديم حلولها أو عرضها وفق تساؤلات تعصف بالذهن، لاستخلاص الحقيقة الحياتيَّة بمنطق دقيق قابل لإنتاج حقائق أخرى مماثلة أدبياً وحاسمة في ما تقترحه من نتائج تأتي عبر اتساق معرفي لواقع إنساني معقد أو يخفي جوهر الحقيقة ليتم الكشف عنها وفي حقيقة ضمنية. فهل من قيمة للأدب إنْ اختلف عن الحقائق الحياتيَّة؟ وما هي طبيعة ما يقدمه لنا الأدب؟
إنْ لم يرتبط الأدب بالحقيقة الحياتيَّة المخفي منها والظاهر، فما نفعه من حيث الولادة المعنويَّة لنتائج الأحداث واكتشافها حتى بعد مضي الحاضر، ليصبح من الماضي الذي نراه تبعاً لحاضر نحياه تشكل من ارتباط الحقيقة بالواقع، وبالتالي بطبيعة الولادة الأدبيَّة التي تعيد قراءة الحدث وتحليله بمتعة جماليَّة تكونت من كلمات يختصر الكاتب فيها الزمن، ويسعى الى تطوير الخيال المرتبط بالوقائع التي يعالجها أخلاقياً، ويجعلها متعلقة بوجود أدبي نكتشف من خلاله الحقائق المخفية المتقلبة مزاجياً تبعاً لخيال الكاتب بعيداً عن الوهم، وإنْ ضمن افتراضات عميقة تتفوق على خيال معين محمل ببذرة من حقيقة، فتحت عالماً زاخراً بالطبيعة العفويَّة لحياة يستنبش الكاتب كنهها، ليخاطبنا من خلالها، ويخبرنا بالقيمة الأدبيَّة لواقع حياتي هو حقيقة تكشف لنا عن عالم مستقل في رواية أو قصة أو مسرحيَّة أو حتى سيناريو نجد فيه المعنى المخفي لقيمة الأدب، وقدرته في محو تشويه المحتوى الظاهر لحقيقة حياتيَّة ضمن المحتوى الكامن في النص وتأثيراته المتعلقة بطبيعة الواقع المتعلق بالوجود المنطقي لحقيقة حياتيّة لا زيف خيالياً فيها، وإنما لخيال مفتوح على الحقائق، وأيضاً لفتح عدة عوالم لحقيقة تتجلى من خلال النص الذي يخاطبنا، ويخبرنا بواقع يغذي القيمة الأدبيَّة ويمنحنا احتمالات نصيَّة إنْ صح القول.
فهل من قيمة أدبيَّة لخيال مستتر موجود في الرواية الواقعيَّة؟ وهل الطبيعة الواقعيَّة للرواية السياسيَّة تستهدف المعنى الوجودي لماضٍ يتم كشفه بعد حين؟
عندما يهيمن الواقع الحياتي على رواية أدبيَّة تصبح الأحداث استنتاجات مرتبطة بالتسسل السردي بعيداً عن الخيال المفتوح على الحوار الذي تتكون منه الوقائع أو تلك التي يقال عنها الأسلوب التقريري الذي يقودنا الى مجموعة من الحقائق المبنيَّة من واقع جذبه الكاتب وقدمه لنا، وخلق منه مجموعة أحداث أخرى تحاكي ما يعالجه أدبياً، وضمن أخلاقيات الأدب الروائي تحديداً، وبطبيعة واقعية تسهمُ في معرفة الواقع الأخلاقي للأمم أو لحضارات اندثرت وأخرى ما زالت عالقة في قوة التحولات الواقعيّة، ما يمنح الكاتب قدرة على صقل الحياة الواقعيّة من منظاره الأدبي الخاص وصلته بالعلاقة المحددة بالقيمة الأدبيَّة التي يفرضها على نصه للوصول الى المعرفة الحقيقيَّة بالحياة التي يراها، ويبحث عنها بل وتولد بشكل مميز من أدب ذي قيمٍ وتأثيرات عاطفيَّة وعقلانيَّة لا يمكن أنْ تذهب هباءً، بعيداً عن الواقع الطبيعي الذي فرضه الكاتب إنسانياً وضمن قاعدة قيمة الأدب والحقيقة الحياتيَّة فيه.