خطة السوفييت لو احتل النازيون موسكو عام 1941

بانوراما 2021/05/17
...

  نيكولاي شيفشينكو
  ترجمة: شيماء ميران
 
في منتصف تشرين الثاني من العام 1941، كانت القوات النازية تقترب بنحو سريع من موسكو، وبدأت المدن السوفييتية المحيطة بموسكو تسقط بيد العدو الواحدة تلو الاخرى، وكان يمكن للألمان ان يدخلوا موسكو في اي لحظة. 
خاطب ستالين، المعروف بميله للاستيقاظ متأخرا والعمل لساعات متاخرة، زملاءه في المكتب السياسي صباح الساعة التاسعة، وتلقوا الاوامر بالترتيب لتنظيم إخلاء المدينة وترك العاصمة مع حلول مساء ذلك اليوم.
 
العاصمة الجديدة
كان من المقرر أنْ يكون هدفهم مدينة كويبيشيف المعروفة اليوم باسم «سمارا»، التي تبعد 1100 كم شرق موسكو، وكانت هي الخيار الطبيعي للعاصمة السوفييتية الجديدة، لعدة اسباب. وإن قربها النسبي من موسكو سهّل من عملية إخلاء العاصمة، ولم يستغرق الامر وقت طويلا بالنسبة لهيئات الدولة والمصانع والمؤسسات الادارية الحيوية للاتحاد السوفييتي لترتيب واستئناف عملهم في الموقع الجديد.
كانت المدينة محمية بشكل جيد من قبل مجموعة كبيرة من القوات المتمركزة هناك، إذ كانت مقرا لمنطقة الفولغا العسكرية السوفيتية، وهي معروفة بالمحطة الصناعية للاتحاد السوفييتي، وكانت تضم مصانع ومطارات ومحور السكك الحديد الحيوي.
وفي الصباح المشؤوم للخامس عشر من تشرين الثاني 1941، اصدرت لجنة الدفاع السوفييتي برئاسة ستالين قرار 801 السري للغاية، وينص على انتقال هيئة الأركان العامة ومفوضية الدفاع الشعبية، ومفوضية الشعب البحرية والسلك الدبلوماسي، وهيئة رئاسة مجلس السوفييات الأعلى ومجلس مفوضي الشعب للاتحاد السوفييتي جميعا إلى مدينة كويبيشيف على وجه السرعة.
ستالين، الذي اعتقد انه بحاجة إلى مغادرة موسكو لاحقاً، أعطى نفسه يوماً آخر في العاصمة، ورافقه اقرب مساعديه؛ بيريا، وميكويان، وكوسيجين.
وأمر لافرينتي بيريا رئيس مفوضية الشعب للشؤون الداخلية بالإشراف على زرع الالغام وتدمير المصانع والمستودعات والمؤسسات والبنى التحتية الحيوية، من ضمنها مترو موسكو، والذي كان من المستحيل اخلاؤه إلى العاصمة الجديدة في الوقت المناسب.
وقد ارسل زرع الالغام في مفاصل البنى التحتية الحيوية رسالة واضحة إلى سكان موسكو الذين اصابهم القلق، بأن القيادة السوفييتية كانت مستعدة للتخلي عن العاصمة وترك الملايين تحت رحمة النازيين.
 
ذعر في موسكو
انتشرت الشائعات حول إخلاء العاصمة بسرعة، رغم سرية القرار. وبحلول صباح اليوم التالي فشل افتتاح المترو للمرة الاولى في تاريخه، كما تم الإعداد لتدميره، ما زاد من الشائعات المتداولة بان عاصمة الاتحاد السوفييتي قد تسقط في النهاية بأيدي النازيين، وسرعان ما انتشر الذعر.
تخلى الكثير من الناس عن واجباتهم وأملاكهم وأسرعوا إلى محطات سكك الحديد لمغادرة المدينة قبل وصول قوات العدو، لتعم الفوضى في المدينة.
وصف ليو لارسكي، احد الشاهدين على الاحداث، حلقة واحدة من الإخلاء السريع: «كان هناك ازدحام مروري على الجسر. وبدلا من دفع المركبات العالقة على الجسر والتخفيف من الازدحام، هرع الجميع للاستيلاء على المقاعد فيها. وقام الجالسون في المركبات بضرب المهاجمين على رؤوسهم بواسطة حقائبهم، وتدافع المهاجمون بعضهم فوق بعض واقتحموا المركبات وقاموا برمي المدافعين مثل اكياس البطاطا. وما ان جلسوا شرعت السيارات بالتحرك حالا، لأن الموجة الاخرى ستسرع اليهم».
وبعد ذلك الخوف والرعب، حضر العديد من الموظفين إلى اماكن عملهم آملين بالحصول على رواتبهم، لكنهم وجدوا ان الإدارة قد غادرت مبكرا. ولجأ بعض سكان المدينة الغاضبين والمُتخلى عنهم إلى العنف والنهب.
كتب نيكولاي فيرزبيتسكي الصحفي السوفيتي عن رعب موسكو ذلك اليوم: «كان هناك تقاتل على الطوابير، فالنساء الكبيرات في السن تُخنق، والشباب ينهبون، ورجال الشرطة يتجولون على الارصفة قائلين: ليست لدينا توجيهات».
واستدعى الامر اتخاذ تدابير جذرية لإرجاع موسكو إلى وضعها الطبيعي. وبعد ثلاثة ايام من الفوضى والذعر في العاصمة، اصدر ستالين مرسوما يفرض حظر التجوال في موسكو على حركة السيارات والاشخاص ليلا إلا بتصريحات خاصة، ومنح الشرطة الاذن بإطلاق النار على المحرضين حالما يتم رصدهم.
وربما أسهم قرار ستالين الشخصي بالبقاء في موسكو المحاصرة بتهدئة السكان، بينما وصفها الكثيرون إشارة إلى ان الجيش الاحمر قد يدافع عن المدينة بأي ثمن.
وبفضل جهود الجيش الأحمر وسكان المدينة الذين لم يغادروها أو لجؤوا إلى العنف والذعر، فشل النازيون بالاستيلاء على موسكو او إنهاء القوات المسلحة السوفييتية حتى شتاء 1941. وفي النهاية، واجه النازيون الألمان احتمال الحرب الطويلة مع الاتحاد السوفييتي.
 
عن راشيا بياند هيدلاينز