العيد ووشائجه

منصة 2021/05/17
...

علي حسن الفواز

للعيد معانٍ كثيرة، وفضاءات واسعة، ولغة تتسع كلما أراد الإنسان أنْ يجعلها قريبة منه، حيث التراحم والتواصل، وحيث الحب والتسامح، وحيث نبذ الكراهيَّة والبغضاء، وهي ما تجعل العيد يكتسب قيمته الكبرى في النفوس، بوصفه جزءاً من الاحتفال بالحياة، أو بوصفه جزءاً من الإيمان.
ما بين الحياة والإيمان ثمة وشائج كثيرة، أولاً الوشيجة الإنسانيَّة، وهي ما تعني أنْ يجد الإنسان في نفسه رغبة للتعبير عن حبه للآخرين، بدءاً من ذوي القربى وليس انتهاءً بالآخرين، فالحب مبدأ، وقوة عميقة تمنح فعلها بالتساوي. وثانياً الوشيجة الأخلاقيَّة، والتي تتجوهر حول الاعتذار عن أي خطأ قد يرتكبه الإنسان بحق الناس، إذ يجعله أكثر صفاءً، وأعمق إحساساً بالانتماء، وبعيداً عن الغرور والتعالي وضيق الأفق والنفس.
وثالثاً الوشيجة الثقافيَّة والتي تعني اختيار الأدوات، وحتى اللغة المناسبة والأنيقة التي نخاطب بها الآخرين، تعبيراً عن الحب لهم، وبعيداً عن الاستعارات القاسية التي لا تعطي لصاحبها مساحة للكشف عما في ذاته من مشاعر نقية، ومن اندفاع حميم نحو الآخرين.
ورابعاً الوشيجة الإيمانيَّة وهي التي تكشف عما في الجوهر الإنساني من التزام، ومن شعور بالمسؤولية، ومن فعل يتوق لإرضاء الله، بوصف الإيمان هو المعنى العميق للالتزام، وهذا ما يجعل أيام العيد فرصة مفتوحة لإعادة النظر بالأعمال، وبالعلاقات الاجتماعيَّة والمصالح، إذ تكون فرصة لجردة حساب للتطهير ولتخليص النفس من كل ما علق فيها من ممارسات ومواقف قد تكون سبباً في إيذاء أحد..
هذه الوشائج هي الدال الكبير على أهمية العيد وطقوسه، فضلاً عن كونها تعبيراً عن صلة الإنسان بربه، وبالناس وبصالح الأعمال. والعمل الصالح هو جذوة الإيمان، وهو بيان القدرة على التمسك بها، ولتدريب النفس  على المراجعة والاعتذار والتواصل والحرص على التعاون والمشاركة، في مجالات العمل والحياة، إذ نحتاج كثيراً الى هذه المقاربة، والتهذيب والى إيجاد البيئة الثقافيَّة والإنسانيَّة والأخلاقيَّة التي يسودها الاحترام والتعاون، بعيداً عن بيروقراطيَّة الغرور والتعالي والكراهية، وحتى بعيداً عن الغطرسة الطبقيَّة والوظيفيَّة والاجتماعيَّة، فالحياة لا تتحمل هذه الصناعات الثقيلة، والمغرور «كالصاعد على جبل، يرى الناس صغاراً، ويرونه صغيراً» كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام..