مقولة رومانية قديمة استخدمها البعض للنصب والاحتيال ..«القانون لا يحمي المغفلين»

ريبورتاج 2021/05/19
...

 علي غني
المآسي التي يتعرض لها المواطنون في العراق كثيرة، وقد اخترت جانب الاحتيال الذي يتعرض له الناس هنا، فالقصص التي سارويها على لسان اصحابها، حقيقية، ومازال ابطالها يعيشون على ارض الواقع المرير، واغرب ما بهذه القصص أن كل من يصادفهم، يطلق عبارة مشهورة يتناولها أصحاب الاختصاص (القانون لا يحمي المغفلين)، فمن أين جاءت هذه العبارة، وكيف اكتسبت هذه الشهرة؟، وهل يمكن الالتفاف عليها؟، وما هو رد القضاة والمحامين، والمواطن الذي وقع عليه الغش او الاحتيال.
 
لم تكن السيدة (أ،غ) تعرف ما كان يخفي لها القدر، حين كانت في طريقها الى دائرتها القريبة من بيتها، اذ استوقفها ثلاثة اشخاص، احدهم تقمص دور المواطن الخليجي، مدعياً بان لديه عملة (اليورو الاوروبية)، وغير قادر على تصريفها الى الدولار في مكان الصيرفة لحاجته السريعة للمال وتخوفه من سرقتها من بعض اللصوص، وكذلك من باب افادتها، كما ادعت العصابة، وسرعان ما تبلع (الطعم) هذه السيدة الوديعة على الرغم من كونها متعلمة، لتجلب لهم ما ادخرته من وظيفتها  ليستبدلوه بعملة منتهية الصلاحية لاحدى الدول الاوروبية، فقلت لها الا تقرئين ما مكتوب عليها، فاجابت: اصابتني غشاوة على عيني في تلك اللحظات، وانصب تفكيري بالمردود المادي الكبير الذي سأحصل عليه، كي احسن الوضع الاقتصادي لاسرتي، وبحسرة قالت خسرت كل ما ادخرته لايام
 حياتي.
وبينت السيدة (أ،غ) التي بدا عليها الالم حينما كانت تتحدث (لي)، وبعد مراجعة مراكز الشرطة والمحاكم لأشهر عديدة، وتعرفها على المتهم الرئيس في القضية، واجهت غرائب وعجائب في العديد من مراكز الشرطة، بالتعتيم على المتهم، وعدم حصولها على حقها الشرعي، بحسب ادعائها، وهي الان محبطة جدا، وتناشد اصحاب العدالة، العاملين في رئاسة الوزراء او الجمهورية أو الداخلية الذين يقرؤون هذا التحقيق باسترداد حقها، لان المبلغ الذي أخذ منها يقدر بملايين الدنانير العراقية.
بينما ايد الاعلامي اياد الهاشمي الذي يشغل منصب مدير الاعلام في اتحاد الصحفيين، المواطنة (أ،غ)، مضيفا: انني كمواطن عراقي ومن خلال عملي الصحفي، تصل اليّ العديد من المناشدات حول موضوع الاحتيال والنصب، وبدوري اقترح تنظيم دورات ومحاضرات توعوية للمواطنين والموظفين في دوائر الدولة
 جميعها.
 
الجهل ليس عذراً
واوضح الدكتور محمد نعمان الداودي، رئيس اتحاد الحقوقيين العراقيين والامين العام المساعد لاتحاد الحقوقيين العرب، أن القوانين والتشريعات عندما تصدر تكون عامة وتخاطب الجميع من دون تمييز، بأن هذا الشخص اميّ او مثقف، لان الجميع ملزمون بتطبيقها.
وبين الداودي: يفترض بالناس أن تعلم بالقوانين، والذي يجهلها يمكنه أن يسأل، ويتعلم عن طريق الصحف والقنوات الفضائية ووسائل الاعلام
الاخرى.
واوضح: ان المحاكم تراعي ظروف الذين وقع عليهم الغش (المستغفلين) لكن لا تحميهم، وعن المادة القانونية، تعد جنحة، فالمتهم يحبس مدة لا تتجاوز الخمس سنوات او غرامة، واذا لم يكن المتهم من اصحاب السوابق، او صغير العمر، فيمكن للقاضي ايقاف
 التنفيذ.
ونوه بأن مبدأ الجهل بالقانون ليس عذرا، لان التعليمات والقوانين تصدر الى الناس بوسائل عديدة، وبمجرد نشرها في الصحف او القنوات الفضائية او غيرها من وسائل الاعلام، تعد حجة على الجميع.
لذلك (والكلام للداودي)، فأني انصح المواطن العراقي أن يتفحص الامور  في البيع او الشراء او التعامل، فليس كل ما يقال له هو الحقيقة، واقول لك (والكلام موجه لي) نحن بالاتحاد اقمنا العديد من الدورات والندوات التي تحذر من التعامل مع الجهات غير
المعروفة.
 
لا ينطبق على العراق
وقال نائب رئيس اتحاد الحقوقيين العراقيين شاكر محمود البحر: ان مصطلح أو مقولة القانون لا يحمي المغفلين، اصله مصطلح روماني قديم، لكن والكلام (للبحر) هذا المصطلح لا ينطبق على العراق، لأن في العراق القانون يحمي المغفلين، بل ويحافظ على حقوقهم، بشرط أن يكون التعامل قانونيا، وليس خارج المؤسسات الرسمية، فقلت كيف؟، فاجاب: لو افترضنا أن مواطنا ذهب الى شركة صيرفة مجازة ومعترف بها، فاذا تعرض الى حالة غش من هذه الصيرفة، بامكانه اقامة دعوة على هذه الشركة، كونها مجازة وحسب القانون، ولكن عندما تراجع جمعية وهمية، ولا تخضع للقانون، فليس هناك من يحميك، اذا ما تعرضت الى غش معين.
 
قاعدة دوليَّة
بينما يعتقد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الحقوقيين العراقيين الاستاذ عامر الخيون، بان مقولة القانون لا يحمي المغفلين، هي قاعدة دولية، موجودة في مكان من العالم، وربما منشأها روماني، لان اغلب القانون الدولي اصله روماني، وان هذه القاعدة تخص القانون المدني، وهو سارٍ على كل الدول، لان القانون نصوصه صريحة وينطبق على الكل، اما الجهل ببعض النصوص القانونية، فلا يعفي الشخص من العقوبة القانونية، وهذا عرف قضائي موجود، فالشخص الذي يجهل القانون لا يعفى من الالتزامات، لكن هناك من هو انسان طيب وساذج، ويجهل تماما ما يقوم به، الا يستحق هذا منا الاّ نطبق عليه قاعدة القانون لا يحمي المغفلين، اقول لك بصراحة: ان ما تقوله  فيه شيء من الصحة احيانا، لكن بعض الناس يذهبون الى الادعاء بغية التخلص من الالتزامات
 القانونية.
 
توعية أكثر
قلت لـ (الخيون)، فما الذي نحتاجه، بشأن هذه المقولة او المصطلح او حتى القاعدة (القانون لا يحمي المغفلين)؟، فاجاب سؤالك ممتاز، نحن نحتاج الى توعية اكثر، لانه في صلب اي قانون، النصوص القانونية يجب أن تحترم،  وان نعلم المواطن متى يتعرض للمساءلة القانونية في حالة اي غش، ومتى يعوض او لا يعوض، ومتى يطالب
 بالتعويض.
وكيف يتم تعويض (المغفلين)؟، فرد عليّ: هنا المحكمة تنتخب خبراء لتعويض الضرر الذي اصاب المشتكي، وبهذا لا يمكن اعفاء الشخص كونه يجهل بالنص القانوني، وهذا يثبت أن قاعدة (القانون لا يحمي المغفلين) سليمة، اذ انها لا تسمح لاي شخص يدعي عدم معرفته بالنصوص القانونية، لذلك علينا أن نفرق بين الجهل بالقانون والاحتيال، فاذا كان المتهم لا يعمل بالاحتيال، فيكون شريكا بالجريمة وعقوبته
 اخف.
 
ملايين الدولارات
الدكتور يحيى حسن، دكتوراه في القانون وحائز على قلادة الرواد من نقابة المحامين العراقيين: كشف لنا امورا عديدة عن هذه المقولة الشائعة بين الناس (القانون لا يحمي المغفلين)، عادا هذه المقولة خاطئة في جانب، وصحيحة في جانب آخر، والاصل في هذه المقولة يعود الى أن احد الاشخاص الاميركيين قام بجمع المال عن طريق نشره اعلانا للجمهور، كيف تصبح غنياً بارسال دولار واحد لحسابي الشخصي، فاستطاع جمع اكثر من مليون ونصف المليون دولار خلال شهر واحد، فأصبح غنيا عن طريق جمع المال بهذه الطريقة، لقاء اعلام الناس كيف يكونون اغنياء بهذه الطريقة، وعندما اشتكى الناس لدى احد القضاة الاميركيين، أطلق هذه العبارة (القانون لا يحمي المغفلين)، وقال للناس انتم قبلتم أن يستغفلكم هذا الشخص، اما وجهة نظري والكلام (للدكتور يحيى)، فان القانون يجب أن يحمي المغفلين، لان الشخص ليس باستطاعته معرفة اي
 شيء.