قبائل الهزارة في باكستان.. مأساة انسانية

بانوراما 2021/05/23
...

 شاه مير بالوش
 ترجمة: خالد قاسم  
حلم أحمد شاه دائما بأمور كبيرة، ومع أن عمره 17 سنة فقط لكنه حصل على وظيفة في مناجم الفحم في مدينة بلوشستان جنوب غرب باكستان، وهي إحدى أقسى وأخطر بيئات العمل عالميا. أصر أحمد على كسب أموال كافية لتعليم نفسه، ومن ثم يتخلص من الحياة الصعبة لمجتمع الهزارة الشيعي بوصفهم الأقلية الأكثر تعرضا للاضطهاد في باكستان.
 
لكن أحمد لم ير مستقبلا أكثر اشراقا، اذ كان بين عشرة عمال مناجم اجتمعوا في كوخ طين لأخذ قسط من الراحة قرب المناجم بتلك المنطقة عندما اقتحم مسلحون المكان، إذ يظهر مقطع فيديو مروع هؤلاء الشباب معصوبي العينين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، ومن ثم جرى ذبحهم، وتبنى تنظيم داعش مسؤولية هذه
المذبحة. 
وصف رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الجريمة بالعمل الارهابي غير الانساني، لكن ذلك لم يكن كافيا لقبائل أقلية الهزارة الذين يتعرضون للقتل منذ ثلاثة عقود في باكستان على أيدي متطرفين من الأغلبية الموالية لحركة طالبان 
وداعش.
فقد أجبرت هذه الأقلية على الخروج الى الشارع بعد عشرات السنين من الظلم والاهمال الحكوميين، ونفذ الناس احتجاجا غير مألوف عندما أحضرت أسر القتلى الجثث العشر الى الشوارع وجلسوا بجانبها وسط جو البرد القارس للمطالبة بالحماية والعدالة.
استمرت الأسر على هذا المنوال لمدة أسبوع، قائلين إنهم لن يدفنوا الجثث حتى يستمع رئيس الوزراء لمطالبهم. وجاء رد عمران باتهامه لهم بمحاولة “ابتزازه” وقال إنه لن يذهب للمنطقة حتى دفن الجثث. 
أحمد شاه هو واحد من أربعة أفراد قتلوا من الأسرة نفسها بتلك المذبحة، وهناك أيضا ابن عمه صادق وهو المعيل الوحيد لزوجته وابنتيه وأخواته الست. وكان قد تناول طعام الفطور مع زوجته في منزله بمدينة كويتا قبل مغادرته الى المنجم. 
 
معاناة مستمرة
استهدف المتطرفون قبيلة الهزارة منذ سنوات طويلة، ومن تلك الجماعات تنظيمات “جيش جهنكوي” و”جيش الصحابة” وحاليا داعش. ووفقا لتقرير عام 2019 أعدته المفوضية الوطنية الباكستانية لحقوق الانسان فقد تعرض أكثر من 500 شخص من الهزارة للقتل منذ العام 2013، بسبب مذهبهم. وتقول المفوضية أن ألفاً آخرين قتلوا بين العامين 2009 و2014 بسبب العنف الطائفي، وأصيب 
الآلاف.
في سعيها لإيقاف الهجمات على 600 ألف هزاري يعيشون في مدينتي مارياباد وهزارة تاون بكويتا، أقامت السلطات نقاط تفتيش عسكرية وحواجز طرق وجدران حول تلك المناطق.
نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية سنة 2014 تقريرا مكونا من 62 صفحة عن اضطهاد شيعة الهزارة في بلوشستان وعنونته “نحن الأموات الأحياء”. 
وجاءت أغلبية قبائل الهزارة في كويتا من أفغانستان وايران سعيا للعمل في باكستان، وانتهى المطاف بمعظمهم الى مناجم بلوشستان. 
ضحية أخرى لمذبحة المنجم هو شامان علي والذي استمر بالسفر كل شتاء لمدة 15 عاما من أفغانستان الى كويتا للعمل بالفحم. وترك شامان خلفه زوجته وثمانية أطفال، يبلغ أصغرهم ثلاثة أشهر من العمر. وجاء عزيز ونسيم من مقاطعة دايكوندي الأفغانية مع شامان للعمل في المناجم للمرة الأولى، لكنهما قتلا معه أيضا.
بدأ نسيم، 22 سنة، العمل لتمويل دراسته ووصل باكستان قبل أسبوع فقط من مقتله، ويقول والده عبد الرحيم: “أفغانستان بحال سيئة للغاية ونعتقد أن أي شيء هو أفضل من لا شيء”. ولا يستطيع عبد الرحيم وبقية أفراد الأسرة حضور جنازة ابنهم من أفغانستان لأن القوات الأمنية أغلقت الطرق الخارجة من القرى عبر حدود باكستان غير 
المسيطر عليها.
دفن ضحايا جريمة المنجم في مقبرة جماعية قرب بلدة هزارة تاون، على ضواحي كويتا. ولم يتبق لدى هذه الأقلية مكان لدفن موتاهم، فقد ازدحمت المقبرة بالقبور وصور الرجال والنساء والأطفال القتلى.
يمكن التعرف على الهزارة من خلال شكلهم المميز القريب من الوجه الصيني لمنطقة منغوليا، وتسبب هذا بتعرض الالاف منهم للهجمات على امتداد الطرق المؤدية الى كويتا من قبل المتطرفين.
 
دوافع سياسية
لكن الكاتب والناشط السياسي “نسيم جافد” يرى أن الهجمات ضد الهزارة ليست طائفية فقط، “إنهم مستهدفون أيضا لتحويل الانتباه عن حركة بلوش الانفصالية”. إذ تعد بلوشستان أفقر مقاطعات باكستان وتقع بين إيران وأفغانستان، وفيها حركة انفصالية ناشطة منذ عشرين سنة، ويذكر جافد أن المنطقة صارت محورا لحروب دولية بالوكالة، وتشمل 
طالبان. 
حاول بعض الهزارة مغادرة المنطقة، ومنهم “أمجد علي” الذي جرّب حظه ثلاث مرات للسفر الى أوروبا، وصل في آخرها الى الحدود الايرانية الباكستانية وأمسك به أفراد من تنظيم “جيش العدل” المتطرف وينشط جنوبا عند الحدود الشرقية لايران. 
وتظاهر مسلحوه بأنهم من قوات الأمن الايرانية وأخذوا علي ومن معه الى معسكر جبلي قرب الحدود: “امتلكوا معلومات جيدة ومستمرة عن الأوضاع الاقليمية، وحالما وصلنا المعسكر أعدموا أربعة من الهزارة لأنهم يعملون في الجيش
الباكستاني”.
دفعت أسرة علي فدية قدرها آلاف الدولارات مقابل اطلاق سراحه بعد أن أمضى 55 يوما في المعسكر. ويختم حديثه بالقول: “اذا سنحت لي فرصة أخرى للذهاب الى أوروبا سأحاول مجددا. لا توجد حياة لشيعة الهزارة في باكستان وأفغانستان”.
 
صحيفة الغارديان البريطانية