الأرجنتين تحمّل الأغنياء ضريبة (كوفيد - 19)

بانوراما 2021/05/23
...

 دييغو ليج وأنتوني فايولا
 ترجمة: بهاء سلمان
داخل ممتلكاته العائدة للحقبة الاستعمارية وسط الأرجنتين، يقول غابرييل دي ريدميكر إنه كان يحتسب سلفا أية أجزاء ربما يحتاج بيعها من أرضه الزراعية؛ لكن العلة لم تكن بقلة المحاصيل أو تراجع أسعار السلع، بل كان الأمر يتعلق بالضريبة الحكومية الجديدة المفروضة على الثروة.
“الحكومة تدفعني إلى الحافة”، يقول ريدميكر، 54 عاما، والذي يواجه ارتفاعا ضريبيا بنسبة 70 بالمئة، وفقا لنظام الجباية الجديد المرافق لجائحة كورونا المفروض على المواطنين المالكين لأصول مالية تفوق مبلغ 3,4 مليون دولار.
 
بالعودة كأقصى حد إلى أربعينيات القرن الماضي، عندما كانت أيفا بيرون تلقي خطاباتها النارية من الشرفة على جماهيرها الغفيرة، كان الصراع الطبقي يسير ببطء تحت السطح داخل هذه الدولة المبتلاة بديون مزمنة. ولإخراج نفسها من الفجوة المالية الضخمة التي زادتها الجائحة سوءا، تطلق الأرجنتين الآن دعوة مدوية تأخذ صداها عبر العالم بأسره: إجعلوا الأغنياء يدفعون.
 
أحكام الضرورة
ولطالما لجأت الدول إلى الأغنياء في أوقات الأزمات الكبرى، فبعد إنتهاء الحربين العالمية الأولى والثانية، عمدت الدول الأوروبية واليابان إلى فرض ضرائب تدفع لمرة واحدة على الأغنياء لتمويل إعادة البناء. حديثا، وظفت ايرلندا وايسلندا هذا النوع من الضريبة للمساهمة بتعبئة خزائن الدولة بأثر الأزمة المالية العالمية.
من ثم، لماذا لا يتم ربط تكلفة الركود الاقتصادي الهائل بسبب جائحة كورونا على من لديه القدرة على تحمّل أعبائها؟، وهذا ما يراه المؤيدون لهذا التوجه. بالفعل، توحي البيانات الأولية أن حالات الركود الاقتصادي المرافقة لجائحة تظهر كونها أكثر سوءا لحالة عدم المساواة، فمعدلات الفقر ارتفعت بشكل حاد، خصوصا بين الشابات العاملات الأقل مهارة، بينما يتمتع الأثرياء بما تدره أسواق الأسهم والقيم المتصاعدة للممتلكات. 
واستلزم الأمر تسعة أشهر فقط لعودة ثروات أغنى ألف رجل في العالم إلى مستوياتها ما قبل الجائحة، وفقا لتقارير مجموعة اوكسفام انترناشيونال لمكافحة الفقر.
ومع كونها مثقلة بديون معوّقة للتنمية فاقمتها الجائحة، تبنّت الأرجنتين جباية خاصة تفرض لمرة واحدة على الأغنياء شهر كانون الأول الماضي، مطالبة بنسبة أربعة بالمئة تقريبا من كامل ثروة المواطنين المالكين لما يقل عن نحو ثلاثة ملايين دولار أو أكثر قليلا. وحذت بوليفيا خلال الشهر نفسه حذو الأرجنتين بفرض ضريبة مشابهة؛ وتستعد المغرب هذا العام لفرض “مساهمة تكافلية” على الشركات والأثرياء.
ومع مواجهة بريطانيا لأضخم عجز بموازنتها على الإطلاق، أوصت هيئة ضريبة الثروة المستقلة بجباية لمرة واحدة يمكن أن تصل إلى 250 ألف باوند. في الولايات المتحدة، يتباين الجدل بشأن فرض ضريبة على الأغنياء بين ولاية وأخرى، مع مقترحات ستؤدي لفرض ضريبة تقع على أغنى أربعة أشخاص بالبلاد، بضمنهم بيل غيتس، ومالك صحيفة واشنطن بوست جيف 
بيزوس.
 
مناكفات سياسيَّة
وترى سوزانا رويس، رئيس سياسة الضريبة لمجموعة اوكسفام، بانتشار هذا المفهوم، وتقول: “استطاع الأكثر ثراء سلفا من التعافي ماليا من الجائحة، ويتقدمون للأمام، وسنرى تعافيا اقتصاديا يتحرك بسرعتين للأغنياء، ولكل فرد. من ثم، سنرى الكثير من الدول تفكر بضريبة الثروة هذا العام”.
هذا الحال يحصل مسبقا في أجزاء من أميركا اللاتينية، أحد أكثر مناطق العالم شكوى من عدم توازن اقتصادي، وتعاني حاليا من أسوأ ركود اقتصادي. في بوليفيا، الدولة الأكثر فقرا في القارة، “فرضت الحكومة ضريبة طالت 152 فردا فقط، ومنفعتها ستصل إلى آلاف الأسر”، بحسب الرئيس لويس 
ارسي.
ومع ذلك، كما هو حاصل في بوليفيا، ودول أخرى تفكر بضريبة الثروة، شجب المعارضون صراع الطبقية، متهمين السياسيين اليساريين بتوظيف الجائحة كعذر للدفع بتنفيذ سياسات “غوغائية”. يقول النائب البوليفي المعارض ميغيل روكا: “لن يملك القانون أي تأثير على قدرة الدولة على محاربة أزمة الكورونا، وهي جزء من سرديات السياسيين بالتظاهر بكونهم حكومة صالحة تأخذ من الأثرياء لتعطي للفقراء”. ويشير المحللون إلى ترجيح إضافة الجائحة زخما للدعوات الرامية الى أنظمة ضرائب التي تعالج الفجوات الشديدة بين الأغنياء والفقراء. لكن ضرائب الثروة تعد مخادعة بسمعة سيئة، ولديها تاريخ حافل بآثار جانبية سلبية غاية في الشدة من التي يمكن لها تقويض أهدافها بشكل 
جدي.
ولجأت الأرجنتين إلى مواطنيها الأشد ثراء بعدما فقدت الأمل بالاستثمارات الأجنبية، ومع وسائل بسيطة أخرى لأجل سد الفجوات المالية. وصمدت البلاد سابقا من انهيارات مالية مرحلية وتخلّف دفع الديون لعدة عقود، ومضت لمرحلة الجائحة مع حاجة لاعادة هيكلة ديون خاصة بقيمة 65 مليار دولار لم تمكن بعد من تأديتها.
 
فزع اجتماعي
عملت الجائحة على زيادة سوء الأوضاع، فقد انخفض الناتج المحلي الأجمالي بنسبة 12 بالمئة تقريبا السنة الماضية، وتراجعت قيمة البيزو، العملة المحلية، مع هلع الأرجنتينيين الخائفين لاكتناز الدولار الأميركي، لتعمد الحكومة، كما هو شأنها في السابق، الى طبع المزيد من العملة للإيفاء بالتزاماتها. 
حاليا، تسعى البلاد إلى عملية إنقاذ كبرى من صندوق النقد الدولي، والذي سيأتي معه قطعا فرض إجراء استقطاعات في بنود الإنفاق الحكومي.
وارتفعت معدلات الفقر من 35 بالمئة في النصف الأول من 2019 إلى نحو 41 بالمئة خلال المدة نفسها سنة 2020. وخلال الأشهر القليلة الماضية، قلّصت شركات كبرى وخطوط طيران أعمالها، أو أغلقتها وغادرت البلاد. وأدى الانهيار الاقتصادي إلى مفاقمة معاناة الطبقة الوسطى؛ ففي ظهيرة إحدى الأيام، لجأ فيزياوي متقاعد عمره 74 سنة إلى إحدى دور الإيواء بحثا عن الطعام بسبب عدم قدرته على إعالة نفسه لقلة راتبه التقاعدي وسط ارتفاع التضخم المالي، المتوقع وصوله إلى خمسين بالمئة هذا العام. كما يعاني هذا الرجل من تأخيرات متكررة بأدوية معالجة السرطان، مع توجيه الموارد المحدودة المخصصة للصحة لمكافحة جائحة كورونا.
واتخذت الحكومة تدابير التفادي زيادة أعلى بنسبة الفقر خلال الجائحة من خلال تبني مشاريع اجتماعية وتوزيع منح مالية. ويقول المسؤولون إلى ضرورة فرض ضريبة الثروة لمساعدة تغطية تلك النفقات، ويتوقعون بجمع نظام الجباية لمرة واحدة مبلغ اربعة مليارات دولار تقريبا من نحو 12 ألف فرد.
 
صحيفة واشنطن بوست الأميركية