العشوائية في السلوك والتفكير

اسرة ومجتمع 2021/05/29
...

 عادل العامل
 
إذا نصحتَ أحدهم الالتزام بتعاليم الوقاية الصحية من كورونا، مثلاً، ولم يتقبل منك ذلك قائلاً «خلّيها على الله»، وإذا نبّهتَ جاراً لك على ألا يرمي زبالته في غير المكان المخصص لها، ونظر إليك شَزراً كأنك لعنتَ «سَلفه سلفاه»!، وإذا بنى أو اشترى بعضهم داراً، وأضاف إليها جزءاً من الرصيف أو الأرض المجاورة ليعمل منه حديقةً «لأطفاله»، أو مرأباً لسيارته، لأن البلدية نائمة أو متناومةً عن تجاوزه هذا، وإذا حذّر رجلٌ أفراد أسرته من ترك باب البيت مفتوحاً، وأهملوا تحذيره هذا على اعتبار أن «الدنيا أمان».. حتى يقع المحذور، وإذا اعتاد بعض الناس زيارة غيرهم وقتما شاؤوا في الصباح الباكر، أو في القيلولة، أو في وقت متأخر من الليل، وإذا أكّدتَ على أبنائك بعدم الغش في الامتحانات، ونظروا إليك مستغربين قولك هذا لأن «الجميع يفعلون ذلك»، وإذا تعودت أسرة على أن تأكل من الطعام ما يشبعها وترمي ثلثه في القمامة، أو تستهلك ما يزيد عن حاجتها من الماء والكهرباء من دون «وجع قلب» وإذا ظلت إحداهن تتكلم بالموبايل لساعةٍ أو أكثر غير معنيةٍ بأنه قد يكون هناك مَن يحاول الاتصال بها أو بالطرف الآخر آنذاك، لأمرٍ أهم وأكثر نفعاً لها، وإذا فسدَ واحدٌ لأن «الكلّ فاسدون»، أو مالَ حيث تميل الريح، أو عاش وفق هواه، وشعاره في الحياة «منو أبو باجر»؟.
وباختصار، إذا فكر أحد في القيام بعملٍ ما من دون تفكير بنتائجه، فاعلم أن هؤلاء من «بني عَشواء»، أي أنهم عشوائيون لا يحسبون حساباً لمنطق، أو يستفيدون من عبرة، أو يرون في أفعالهم الخالية من التبصّر والاحتراس أخطاءً، مهما نبهتهم على ذلك أو ساءت نتائج أفعالهم تلك. 
ويكثر «بنو عشواء» هؤلاء عادةً في المجتمعات المتخلفة أو تلك التي توالت عليها نكبات وأنظمة حكمٍ همجية، أفقدت الناس الميل إلى التفكير العقلاني والسلوك المنطقي واحترام القانون والضوابط الاعتبارية، التي أفرغت من محتواها الحقيقي بفعل تجاوزات تلك الأنظمة وافتقار سلوكياتها إلى المنطق واحترام القانون الذي لا تحترمه هي فعليا. 
ولا يخفى على أحد ما تجلبه العشوائية في السلوك والتفكير من أضرار كبيرة على المجتمع والأفراد، حيث يضعف الانضباط الذاتي: وتتضاءل الجدّية في العمل، وتنطفئ روح المثابرة والابداع، وهي من ركائز التنمية والتطور، ومن صفات المجتمعات المتقدمة. وقد اعتدنا هنا على القول، للتعبير عن انضباط شخصٍ ما، إنه إنكليزي في احترامه للوقت، ونتمنى أن يكون العراق كاليابان في إنجازه لمشاريعه التنموية بالسرعة والاتقان المعروفين عن اليابانيين.. وكان العراقي ايضاً معروفا بالجد والشهامة والاحترام.. أيام زمان!.