عباس الخليلي.. فارس الكلمة والثورة

منصة 2021/05/30
...

 هدى عبد الحر
 
شخصية غنيّة الفكر، خصبة التفاصيل، كارزمية الملامح والحضور، جديرة بالتأمل والوقوف عندها طويلاً فهو السياسي الثائر والمغامر الجريء والشاعر المجرّب والصحفي الملتزم العتيد والمترجم البارع الدقيق والكاتب الغزير وفي ما بعد الدبلوماسي الحاذق الذي يجيد اللغتين (العربية والفارسية) إجادة تامة أهلته ليكون أحد أهم من ترجم من وإلى الفارسيَّة والعربيَّة.
في أواخر القرن التاسع عشر وفي النجف الأشرف، ولد العام 1896لأسرة عريقة عرف عنها إتقانها للطب الشعبي، فضلاً عن اهتمامها بالمعرفة والعلم.
اسمه: عباس أسد الله بن علي الخليلي
أخذ مبادئ علوم العربية والفقهية على يد أفاضل رجال عصره ومنهم والده الذي أراده فقيها أو طبيباً لكنه مال إلى السياسة مبكراً بسبب شعوره الوطني الصادق الذي دفعه دائماً إلى المشاركة الفعّالة في كلّ تمرد أو ثورة فكان أحد أبطال ثورة (1918/ آذار) المعُارضة للانتداب البريطاني وعلى إثر مشاركته المؤثرة فيها غادر العراق إلى إيران في العام ذاته مشياً على الأقدام لأنّه و(12) شخصاً من رجال المدينة كانوا قد حُكِموا بالإعدام فضجت المدينة مستنكرة لكنَّ الانكليز حاصروها وقطعوا عنها الماء لأكثر من (40) يوماً وأعلنوا مكافأة ماليَّة مقدارها (500 روبية) لمن يشارك في القبض عليه فاختفى الخليلي في بيته الكائن في محلة العمارة وهي واحدة من محلات النجف الشهيرة الأربع (العمارة، المشراك، البراق، الحويش) التي كانت تتكون منها المدينة القديمة المسوّرة، وعندما ضيق عليه الخناق اضطر للانتقال إلى بيت امرأة من أقاربه رفضت في البداية استضافته خوفاً من بطش الانكليز ثم وافقت على مضض بعد الإلحاح عليها على أنْ يبيتَ ليلة واحدة فقط، وحينها اجتمعت الأسرة وقرّرت خطة مبتكرة وهي إخفاؤه في صندوق خشبي كبير يوضع في حفرة بسرداب، ومن المعروف أنَّ النجف تمتاز بسراديبها الكثيرة التي يلجأ إليها الناس في الصيف هرباً من الحر والمناخ الصحراوي الجاف لذا أصبح الخليلي يجلس حذراً بجانب الصندوق فإذا سمع طرقاً لباب البيت تمدّد داخله وهيل التراب والقش عليه.
وقد نجحت الخطة لفترة من الزمن فلم يجدوه على الرغم من بحثهم المطول في أرجاء البيت ولكنْ بعد فكّ الحصار عن النجف قرّر المغادرة وخرج مع أمه في زي امرأة محجبة مشياً على الأقدام إلى مدينة الكوفة، التي تبعد (10) كيلومترات ودخل مسجد النبي يونس (ع) وظل في حذرٍ وترقبٍ وخوفٍ حتى غادر العراق نحو إيران وهناك بدأ حياة جديدة.
فقد أصدر جريدة (إقدام) بالفارسية نحو أربعين عاماً وهي مدة طويلة جداً لصحيفة وهذا يدلُّ على خبرته الحقيقيَّة وعلو شأنه في عالم الإعلام.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى في عالم الكتابة لم يتخل عن تمرده وحدته وثوريته فأخذ ينتقد الحكومة آنذاك، فلما اشتدّ في نقده نفته إلى الخارج ثم استرضته وبعثته سفيراً للإمبراطور في اثيوبيا.
ولعلَّ من أهم مناقب الخليلي التي خلدت اسمه فضلاً عن مناقبه وفضائله الكثيرة الأخرى هو دخوله عالم الترجمة، إذ نقل إلى اللغة الفارسية تاريخ ابن الأثير في أربعة عشر مجلداً ولا يزال الكتاب مرجعاً مهماً لكل دارس، وللخليلي أخ أصغر منه عمراً لا يقل عنه شهرة هو الأديب والصحفي والمؤرخ جعفر الخليلي (1905-1985).
تزوج في العام 1924 من الصحفيَّة والشاعرة الإيرانية فخر عظمى أرغون ( 1898 - 1937) وله منها ابنة هي الشاعرة المعروفة سيمين البهبهاني (1927 - 2014)، ترك الخليلي عشرات المؤلفات في اللغة الفارسيَّة والعربيَّة منها ديوان شعر فضلاً عن الترجمات، توفي في العام 1972 عن 76 عاماً إثر سكتة دماغية ودفن في إيران بعد رحلة حياة حافلة طويلة.