الناجيات المسيحيات.. مأساة ومعاناة لا يُعرف عنها إلا القليل

بانوراما 2021/05/30
...

  ترجمة وإعداد: ليندا أدور
كانت المأساة الشخصية التي عاشتها ضحى صباح عبدالله قد تركت أثرا عميقا في نفس البابا فرنسيس، اثناء الزيارة التاريخية التي قام بها الى العراق أوائل شهر آذار الماضي، وتحديدا، لدى زيارته لبلدة قره قوش، شمالا، التي تعرضت لدمار كبير على يد مسلحي عصابات داعش الارهابية.
فبالعودة الى شهر آب من العام 2014، لفت مقتل ابن ضحى، انتباه المجتمع المسيحي هناك الى الهجوم الوشيك للتنظيم على المدينة، عندما سقطت قذيفة هاون أطلقها عناصر داعش، خارج منزلها مع اقترابهم من قره قوش، مما أسفر عن مقتل ابنها واثنين من أبناء عمومته كانوا في الباحة الأمامية، وجارهم الشاب الذي كان يستعد لإتمام زفافه. {لقد أنقذت أرواحهم المدينة بأكملها}، تقول ضحى مستذكرة تلك الأيام، التي غادروا فيها المدينة هربا، ليعودوا إليها بعد ثلاثة أيام، {لأننا مسيحيون، فنحن على استعداد للشهادة}، والحديث لضحى. 
 
بساط العراق
لكن، بعد أيام من زيارة البابا، واستماعه لتلك الشهادة المؤلمة، وفي الوقت الذي كان الهدف من زيارته للعراق هي إعطاء الأمل لمجتمعه المسيحي المتناقص في البلاد وتشجيع أفراده على التمسك والبقاء فيه، يأخذ الشك ضحى في إمكانية تغيير الحياة في بلدها، مشيرة الى أنها ستغادر إن سنحت لها الفرصة. تقول ضحى: {البابا ليس لديه عصا موسى، لا يمكنه أن يشق البحر ويحل مشاكلنا الصعبة}، مضيفة {أن حصلتُ على موردٍ كافٍ، أو منحني أحدهم الفرصة للمغادرة، فسأرحل..}. 
فبعد سنوات من إعلان القوات العراقية النصر على عصابات داعش الارهابية وطرد مسلحيها من المنطقة، لا تزال ابنة ضحى، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، غير قادرة على الالتحاق بالمدرسة التي تتناسب ووضعها، وما زالت هناك منازل مدمرة، فضلا عن صعوبات الحصول على وظائف، ولا يخطط أي من أقارب ضحى الموجودين خارج البلاد بالعودة. 
هدفت زيارة البابا التي استغرقت أربعة أيام، الى تشجيع أبناء مجتمعه المسيحي لإعادة البناء واستعادة ما أسماه {بساط العراق} المعقد بتصميمه، والثري بأديانه وأعراقه. فمن على متن الطائرة التي أقلته من بغداد الى روما، أشار البابا فرنسيس خلال حديثه للصحفيين الى كلمة وردت أثناء شهادة ضحى، بقوله: {لقد أثرت في كثيرا وأكثر من غيرها}، مضيفا {قالت كلمة واحدة.. {مغفرة}، فحركت مشاعري}. 
 
حقوق لا تهميش
تقول هذه السيدة، إن أمنيتها أن تعيش في بلدها إذ يحظى فيه مسيحيوه والأقليات الأخرى بحقوق متساوية، وليس ما يحدث اليوم من تهميش لهم، وتعلق: {زيارة البابا كانت حدثا رائعا، لم أكن أحلم يوما بأني سأكون قريبة منه جدا، لكنها لم تغير شيئا}. اذ لا توجد خطوات عملية حتى الآن، ولم يقر تشريع أو قانون او يسن سياسة لإغراء المسيحيين بالعودة الى بلدهم. 
أثناء رحلته من رومانيا الى العراق، كان الحبر الأعظم قد إطلع على وثائق تعود لعصابات داعش تظهر فيها قائمة بأسعار النساء المستعبدات من المسيحيات والايزيديات، باللغتين العربية والانكليزية، خلال فترة وجوده في العراق وسوريا بين عامي 2013 و2017، اذ كشفت الوثائق عن أن المرأة التي تجاوزت سن الأربعين قد يصل ثمنها الى 42 دولارا، بينما يصل سعر البنت بعمر التسع سنوات الى 173 دولارا. 
ربما تكون قائمة الأسعار تلك في ذهن البابا فرنسيس وهو يستمع الى شهادة ضحى، فتحدث الى مجتمع كانت فتياته ونساؤه يتم بيعهن كممتلكات من قبل إرهابيي داعش، فقدم لهن شكره بقوله: {أشكر من كل قلبي كل الأمهات والنساء في هذا البلد، النساء الشجاعات اللواتي ما زلن يمنحن الحياة رغم الأذى والآلام التي يتعرضن لها}، مضيفا {فلتحترم النساء ويمنحن الحماية، وأن يحظين بالاهتمام ويمنحن الفرص}.
 
عنف همجي
حتى الآن، لم تعد سوى سبع نساء من أصل 45 امرأة مسيحية تم اختطافهن من قره قوش، من بينهن {رنا}، التي كانت أسيرة لدى داعش لمدة عامين ونصف العام، وتم بيعها أكثر من مرة الى {مالكين} جدد في كل مرة مقابل مبالغ وصلت الى 19 ألف جنيه استرليني، إذ تقوم بإطعام أطفالهم وتنظيف منازلهم وتحمّل عنفهم الهمجي. تقول رنا: {لم يكن هناك سبيل للهروب، فالطرق كانت ملغمة، والأسرة التي كنت لديها قالت لي إن خرجتِ من هذا الباب سنقتلك}.
أما ريتا حبيب، التي تم إطلاق سراحها، فتقول ان جميع آسريها الدواعش كانوا من الرجال المتزوجين ولديهم أطفال، وأنها تعرضت للاغتصاب وسوء المعاملة، ما أجبرها على القبول بتنظيف منازلهم. 
تقول حبيب: {فعلوا كل ما يمكن أن يسيء لنا.. ضربونا واغتصبونا، والأسوأ من ذلك كله، هو اغتصابهم لفتيات في سن التاسعة، وأخريات يتم بيعهن مقابل أربعة آلاف الى 15 ألف 
دولار}. 
وبعد فترة، تم إنقاذ رنا وريتا وعادتا الى أهلهما على يد رجال تظاهروا بأنهم من أفراد التنظيم، بينما هم جزء من مؤسسة {شلاما} المسيحية العراقية، بعد دفع مبلغ 20 الف جنيه استرليني لإعادة كل واحدة منهن. ورغم كثرة الحديث عن معاناة الإيزيديين، وبشكل خاص النساء منهن، إلا أن القليل فقط هو مايعرف عن معاناة النساء المسيحيات المختطفات من قبل عصابات داعش، ومع أن أعدادهن أقل، لكن تأثير ذلك على مجتمعهن كان هائلا.