في اليوم العالمي لحفظة السلام .. شباب يسعون للعيش بأمان

ريبورتاج 2021/05/30
...

  بدور العامري 
عندما يفضي نزاع ما الى قتال، يصبح من الضروري وضع نهاية للصراع في اقرب وقت ممكن، ومنع انتشار الاعمال العدائية على نطاق أوسع، اذ تقوم عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالمساعدة في تخفيف حدة التوتر في المناطق المضطربة، وابعاد الاطراف المتنازعة عن بعضها، وتهيئة الظروف لسلام مستديم بعد أن يتم التوصل الى التسوية، اذ تعد قوات حفظ السلام أداة حيوية يستخدمها المجتمع الدولي لتحسين عملية السلام والامن في العالم.
تحديات العمل
تحدث عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق الدكتور فاضل الغراوي عن اهم المعوقات والمشكلات التي تعترض عمل حفظة السلام في مناطق النزاعات والحروب اذ قال: {دائماً ما يتعرض العاملون في مجال حفظ الامن والسلام الى العديد من التحديات والمشكلات، وخصوصا اثناء النزاعات، إضافة الى العوائق التي تعترض تطبيق مهامهم وتعرضهم للمخاطر اثناء تواجدهم في ساحات الحروب والاقتتال، ومنها عدم فهم طبيعة عملهم من قبل قسم كبير من اطراف النزاع، وهي بطبيعة الحال تبقى صعوبات تواجه عمل هذه اللجان او البعثات المتمثلة بالافراد الذين يقدمون الدعم بمختلف الجوانب كالمساعدات الإنسانية واغاثة المتضررين}، وأضاف الغرباوي ان السبل الأساسية لتحقيق الامن والسلام هي الالتزام بالمضامين العالمية التي أتت بها إعلانات المنظمة الدولية من عهود ومواثيق اكدت مضامين الحقوق من دون تمييز، وعدالة سلطة القانون في تنفيذ متطلبات الحق، والتعامل بين الدول على أساس المساواة والتكامل بالادوار، وأن تسود مبادئ السلام والحرية بدلا من الحروب وتداعياتها التي تدفع ثمنها الشعوب. 
وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة شعار (الطريق الى سلام دائم: الاستفادة من قوة الشباب من اجل السلام والامن) للاحتفال باليوم الدولي لحفظة السلام الذي يوافق 29 ايار من كل عام. 
 
مناخ السلام
وقالت الدكتورة سهاد القيسي مديرة قسم الاعلام والعلاقات العامة في الجامعة المستنصرية عن دور الشباب في بناء الأوطان وازدهارها باعتبارهم القوة الحقيقية في صنع السلام {هناك علاقة وثيقة بين الشباب والسلام، اذ لا يمكن للسلام أن يوجد ما لم تتوفر مناخات خاصة لتعزيز البناء والتنمية المستدامة والتي من شأنها نبذ العنف والحروب من خلال عقلية الشباب وانفتاحهم على آفاق التقدم والتطور في مختلف مجالات الحياة، بعيدا عن النزاعات التي انهكت الدول وتسببت بخلق جيل محبط لا يمتلك أدوات النهوض}، وأشارت القيسي الى {دور الشباب في صناعة السلام، ومواجهة كل اشكال التطرف واجواء الاحتقان التي تغذيها الصناعات الأخرى في العالم مثل صناعة السلاح والمتمثلة بدول وجهات عديدة تمتلك شركات تضخ مليارات الدولارات لتصنيع السلاح، وهي صناعة بطبيعة الحال تبحث عن بيئة النزاعات والحروب للترويج لمنتجاتها وتصريفها ولا تريد مكانا للسلام في هذا العالم}.
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد توقعت بحلول عام (2030) أن يصل عدد الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين (15و24) عاماً الى ما يقارب 1.3مليار شاب في العالم.
 
فئات فاعلة
واكدت الناشطة والحقوقية الدكتورة بشرى العبيدي{  توجه الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة لهذا المجال، واهتمامها بشكل أساسي بفئتي الشباب والنساء، لايمان المنظمة بقدرة هاتين الفئتين على احداث التغييرات الإيجابية في مجتمعاتهما واحلال الامن والسلام فيها، وبدا هذا الشيء واضحا في حركة الاحتجاجات والتظاهرات والتعبير عن الرأي التي شهدها عدد من الدول العربية والغربية خلال الفترة القليلة الماضية، اذ كانت ترتكز على الشباب والنساء باعتبارهم عناصر فاعلة في المجتمع}.
منبهة الى{ضرورة أن يكون للشباب دور اكبر في إدارة الدولة وإعادة بناء المجتمعات التي عانت من ويلات الحروب والنزاعات، وتوسيع دورهم في وقف النزاعات عن طريق اشراكهم في لجان التفاوض، لامتلاكهم الرؤى والسبل الناجحة والكفيلة بحل هذه المشكلات، كونها حلولا نابعة من المعاناة ومعايشة الظروف بمختلف تفاصيلها}.
 
فرق شبابيَّة
وتابعت العبيدي الحديث عما يخص المهام الكبيرة التي اضطلع بها الشباب العراقي خلال فترات الحروب والأزمات، مشيدة بالدور الرئيس والمحوري لشباب ثورة تشرين عام 2019 الذين خرجوا من اجل وطن يضمن العيش بكرامة وامن وسلام، وبهدف تصحيح العملية السياسية ما بعد عام 2003، واصفة إياها بثورة عفوية بقيادة شبابية. 
مؤكدة أن رسالة الشباب اصبحت واضحة للعالم اجمع، الذي وقف احتراما وتقديرا لمواقفهم البطولية وتضحياتهم بعد المطالبة بتغيير نمط الحياة في مختلف الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، لان الوضع القديم تسبب لهم بالاذى والتعب، نتيجة الصراعات والنزاعات الداخلية والتوترات، وغياب الامن والاستقرار، وكانت هناك صور اخرى لعطاء الشباب العراقيين، أظهرت الحس الوطني العالي لديهم، والتي تمثلت بالفرق الشبابية العاملة في مجال تعزيز السلم الأهلي في المناطق المحررة من داعش، اذ اجزم المراقبون بأن ما يقارب 90 % من القوى الفاعلة في إعادة بناء واستقرار المناطق المحررة هي لطاقات ومتطوعين شباب عملوا بكل الوسائل، واستنفروا الجهود لنشر الامن والسلام وتهيئة الظروف لاعادة ساكني تلك المناطق.
 
هديل انموذجاً
الشابة هديل قاسم موزان خريجة علم النفس في جامعة بغداد هي احد النماذج الشبابية المشرفة في العراق والعالم، اذ حصلت على جائزة السلام العالمية من لندن لعام 2016 للأشخاص الفاعلين في مجتمعاتهم والذين يقومون بخدمات جليلة للإنسانية جمعاء، هديل أوضحت تفاصيل حصولها على هذه الجائزة التي تعتبر الأولى عربيا والسابعة على مستوى العالم، قائلة: {كنت اعمل ضمن فريق منظمة انقاذ الطفولة البريطانية، وقد عايشت ظروف الاسر السورية اللاجئة في محافظة الانبار وشعرت بمعاناتهم وخاصة الأطفال، ما دفعني لكتابة قصة عنهم نالت اكثر من ثلاثة ملايين اعجاب حول العالم، ما شجع المنظمة لترشيح اسمي الى الجمعية الاحمدية في لندن، والتي تعنى بانجازات الأشخاص الفاعلين في مجتمعاتهم، وتقديم الخدمات الإنسانية في العالم، وبتاريخ 19 /3 /2016 تم منحي جائزة السلام عن منهجي هذا}، واعتبرت الشابة هديل حصولها على هذه الجائزة في ذلك التوقيت متمما لعمل الابطال من جنود الجيش العراقي في عمليات مواجهة داعش وتحرير الأراضي العراقية وبث السلام والامن في البلاد. 
 
إعلام التجهيل والتضليل
في الوقت الذي عبرت فيه الدكتورة سهاد القيسي عن فخرها وسعادتها بما قام به أبناء انتفاضة تشرين الشبابية في العراق التي رفعت شعار السلام منذ اليوم الأول لانطلاقها، نبهت الى حجم الممارسات التي قامت بها بعض المؤسسات الاعلامية عربية كانت او محلية بهدف تجهيل وتضليل الفرد العراقي تجاه ما يحصل، والتقليل من شأن شرعية مطالب الشباب التي تصب في نهاية المطاف في خدمة بناء الدولة، داعية الى ضرورة إيجاد اعلام وطني موحد توكل اليه مهمة توجيه الشباب ونشر قيم المحبة والسلام والتآخي بين افراد المجتمع، ومواجهة مد اعلام التواصل الاجتماعي الذي اخذ بالتوسع سريعا، وبسط ادواته ليصبح السلطة الأولى وليس الرابعة كما هو معروف.
 
قوانين رادعة
النقيب الحقوقي احمد محمد العزاوي في وزارة الداخلية سلطت الضوء على اهم القوانين الرادعة لكل من يحاول التجاوز على امن وسلامة البلاد مبينا{ان أساس وجود قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2006  قائم على مواجهة أي تصرف او سلوك يزعزع الامن والاستقرار المجتمعي، وبالتالي نجد المواد 1،2،3،4 هي الأساس في تحديد العقاب، وكذلك قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 في الفصول الخاصة بالجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، التي تعالج جميع حالات التعدي والتجاوز على امن واستقرار البلد، اذ تصل عقوبة بعض هذه الجرائم الى الإعدام، وبالتالي القانون لم يغفل جانب زعزعة الامن والسلم المحلي
والدولي}.
وتابع المنتسب الأمني بخصوص أهمية الالتفات الى مسألة جوهرية بعدم وجود جدوى للقوانين المكتوبة فقط، مالم تنفذ وتطبق على جميع من يشكل خطرا على امن واستقرار الدول، ففي حالة التراخي او حدوث خلل في تطبيق العقوبات تحدث نتائج عكسية كبيرة لا يحمد عقباها.
 
السلام المنشود
يعتقد المختص بدراسات السلام وحل النزاعات في جامعة دهوك السيد زيرفان امين، ان السلام اصل الحياة، مبينا أنواع السلام والنزاع بقوله {يمكن تصنيف السلام الى نوعين، سلام إيجابي يعني الطمأنينة والامن والأمان والارتياح، فهو البيئة المناسبة لتقدم الانسان ومقياس حبه لنفسه وهو السلام المنشود، اما السلام السلبي فهو مجرد غياب العنف الظاهري، أي ان هناك حقدا وكراهية ومؤامرات تحاك في الكهوف المظلمة للنفس البشرية ويعتبر اخطر من النزاع نفسه}.
كما تقسم النزاعات الى بناءة واخرى هدامة، فالنزاعات البناءة هي غايتنا في هذا الكون، وهي التي تبث فينا روح المنافسة الشريفة التي تدير عجلة الحياة نحو السمو البشري الخلاق، وهذا النوع من النزاعات هو احد اسرار تطور وديمومة البشرية.
 
آليات وبرامج
واسترسل السيد زيرفان بحديثه الممزوج بالفلسفة الاجتماعية وصولا الى أسباب وجود هيئة الأمم المتحدة وآلياتها في إحلال الامن والسلام في العالم، اذ قال {لو وسعنا هذه الدائرة المعرفية لمنظومة السلام والنزاع على الشعوب والأمم والجماعات البشرية، وقمنا بجولة بين احداث التاريخ البشري، ونظرنا الى العالم بهذا المنظار، لوجدنا ان هناك فترات وجيزة جدا من السلام هنا وهناك، اما باقي المراحل التاريخية ومحطاتها فكانت كلها حروبا ودمارا ونزاعات، لذلك فكرت البشرية بقيادة هيئة الأمم المتحدة ومحبي السلام في العالم بآليات وبرامج ومناهج تسهم في تغيير تلك المعادلة، ومن ضمنها اليوم العالمي لحفظة السلام}، مؤكداً أن السلام يبدأ بالحفظ ثم الصنع ثم البناء، فصنع السلام من اسهل الأمور، ولكن حفظه يحتاج الى جهود متكاملة كي يشعر الانسان بالأمن على جميع المستويات والاصعدة (الامن النفسي، الامن الغذائي، الامن الفكري والثقافي، الامن الوقائي، الامن الاقتصادي والمائي، إضافة الى الامن السياسي والاجتماعي 
والبشري).