المصريون يحنّون إلى العصر الذهبي للموسيقى العربية

الصفحة الاخيرة 2019/02/16
...

القاهرة /  أ ف ب
 يقف أحمد عادل مرتديا سترة وربطة عنق تقليدية، ويؤدي أغنية قديمة بحنين كبير إلى العصر الذهبي للموسيقى العربية، حين كانت القاهرة قلبها النابض، فيما يسيطر على قطاع الإنتاج اليوم غناء تجاري رائج تتخلله محاولات “بديلة” لتلمّس طريق جديد للغناء المعاصر.وبعد تمهيد موسيقي على آلة العود، يشرع أحمد عادل بموال قديم منتزعاً تصفيق الجمهور وصيحات “الله”، في قاعة معهد الموسيقى العربية وسط القاهرة.
ويقول عادل، وهو مغن في الفرقة القومية للموسيقى العربية :”للأسف الشديد يمكن أن تنجح أغنية حديثة نجاحا كبيرا بعض الوقت، يومين أو ثلاثة أيام أو أسبوع أو حتى سنة، ثم تختفي ولا نسمع عنها أي شيء بعد ذلك”.
ويضيف “لكن محمد عبد الوهاب لا يزال حيا حتى اليوم، وأم كلثوم لا تزال حية”.ظلّت صناعة الموسيقى المصرية في أوجها حتى سبعينيات القرن الماضي، وكانت القاهرة مركز الجذب لجميع المواهب الغنائية والموسيقية والسينمائية أيضا، من كلّ أنحاء العالم العربي. لكن الأمور أخذت بالتغيّر بعد ذلك، في مصر كما في العالم العربي، وانتهى بذلك ما يسميه باحثون في الموسيقى “عصر النهضة الثاني” الذي بدأ مع سيّد درويش مطلع القرن العشرين، وبدأ عصر طغيان الأغنية التجارية والسريعة، ما عدا بعض الاستثناءات القليلة هنا وهناك.
وبعدما كانت القاهرة مركزا لشركات الإنتاج منذ مطلع القرن العشرين، ظهرت على الساحة بقوّة شركات الإنتاج الخليجية، ولا سيما “روتانا” المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، لكن الأغنية المصرية أو المؤداة باللهجة المصرية ما زالت المهيمنة في إنتاج كل الشركات العربية.
إلا أن هذه الإنتاجات بمعظمها هي وليدة إنتاج سريع ينعكس تشابها بين الكثير منها من حيث الكلمات والإيقاعات والمقامات المستخدمة، وهو ما يثير حفيظة من يحنّون إلى “الماضي الجميل”، حين كانت كلّ أغنية عملا فنياً متقنا بكلامه ولحنه وأدائه.
في الشوارع المصرية كما في المقاهي والأسواق والمنازل، ما زال صوت أسمهان يصدح في الأرجاء مجاورا نجاة الصغيرة و”كوكب الشرق”، إلى جانب الأغاني الجديدة الرائجة، بين أصوات المآذن وصياح المعلّقين الرياضيين.
وفي بعض المسارح ودور العرض، ما زالت فرق موسيقية تجتهد لإبقاء الموسيقى الكلاسيكية حيّة في الأسماع.
يعتلي أحمد عادل المسرح بانتظام لإحياء تراث مطربيه المفضلين مصحوبا بفرقة من أوبرا القاهرة، تتنازعه “مشاعر مختلطة من الخوف والسعادة والمسؤولية”، بحسب قوله.وتقول رئيسة إدارة الموسيقى الشرقية في دار الأوبرا المصرية جيهان مرسي :”إن هذه الأمسيات أصبحت ناجحة للغاية ويقبل عليها الناس بشكل كبير جدا”. وتضيف بفخر أنه”شيء جميل جدا أن ننجح في الحفاظ على الهوية العربية”.
ولكي يأتي الجمهور “لتنظيف آذانه” من ضوضاء العاصمة، لا تكتفي جيهان مرسي بالنظر إلى الماضي، لكنها تستضيف أيضا فنانين معاصرين مثل أنغام وصابر الرباعي ووائل جسار.وتقول جيهان مرسي :إن هذه الأصوات لها جمهور من الشباب “يأتون للاستماع إليها ويحضرون كذلك الأجزاء المخصصة للأغاني القديمة فيحبونها”.
وتسعى صناعة الموسيقى كذلك الى إحياء التراث من خلال اجتذاب الشباب اليه. وتعوّل شركة “صوت القاهرة” العريقة على نشر الأغاني القديمة على الإنترنت، على الرغم من مشكلات مالية كبيرة ومعارك قانونية حول حقوق الملكية الفكرية لأغاني أم كلثوم.وتستثمر شركات عدة مثل “صوت القاهرة” التي قدمت أغاني أم كلثوم، في التكنولوجيا، مستخدمة ما تمتلكه من حقوق للأغاني القديمة وخصوصا من خلال عقود مع “يوتيوب” ومع شركات لشبكات الهاتف المحمول.وتضيف أن الشركة تتحوّل إلى التكنولوجيا الرقمية للوصول إلى “أكبر شريحة في المجتمع وهي الشباب... وأكثر شيء يستخدمه الشباب هو الفيسبوك ثم اليوتيوب وبعد ذلك تطبيقات الموبايل”.
وتخوض هذه المقاطع القديمة المصوّرة بالأبيض والأسود منافسة محمومة مع المقاطع الجديدة المنتشرة بكثرة على الإنترنت.في استوديو خاص في فيلا صغيرة بمنطقة المعادي في القاهرة، يقوم الأعضاء الأربعة لفرقة الروك “مسار إجباري” بأداء أغنية عربية كلاسيكية بعدما أعادوا توزيعها على طريقتهم.