جنون الابتكار الفردي في الفن

منصة 2021/06/08
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
 
يكتفي الواقع الفني بالممكن، ولا يكتفي الخيال بالمستحيل. بل يتخطاه نحو الجنون في الابتكار الذي يمنحنا الكثير من التعاطف مع هذا الجنون الابتكاري في فنٍ يدخلنا الى عوالم هي جزئيات من كائنات لونية أو تفاصيل هندسيَّة أو غير ذلك. مما يضفي على المجتمعات نوعاً من التجسيد الحي لمجتمع له خاصية الشكل الفني وقوانينه الجمالية التي تخرج عن سلطة المعايير، بتحليل لواقع ينفر منه العقل، وتستسلم له المشاعر والعواطف وتأملات بفن فقد الصبر الكلاسيكي، وخرج من المثالية بحقائق انقلابية تتيح للرؤية استكشاف التفاصيل التي سبقت الواقع، وتقدمت على الحداثة وفق ثورة فنيَّة فرضت نفسها بتوليف سعى له الفنان نفسه بارتجال يعيد من خلال البناء البصري لفن لا معايير له، وكأنه ينتفض على العالم القديم الكلاسيكي بفن يميزه الجنون الابتكاري وفق مساحات ترتبط بالعبقريَّة الإبداعيَّة التي انفجرت افتراضياً.
إنَّ في التصوير الفوتوغرافي نزعات سريالية غير معقولة أو بالتركيب الفني الضوئي أو غيره، وباختلاف أكبر من التوقع، وبجرأة تنتج من الجديد ما يثير الكثير من التساؤلات. فهل الجنون الابتكاري الفردي في الفن هو وليد صدفة خرجت من الأشكال الممكنة، لتتخذ صفة غير الممكن في الفن؟ وهل الحياة الواقعيَّة وأزماتها الوبائيَّة وضعتنا أمام كسر الصورة الكلاسيكيَّة في الفن؟
لا أحد يستطيع أنْ يؤكد الجنون المثمر في الفن، ولكنَّ المزادات العالميَّة الفنية أكدت أكثر من مرَّة نجاح هؤلاء في الابتكار الفني والخروج عن الحدود البصريَّة بقوة الفعل المتأصل في مساحة يفرضها بشيء قابل للحياة، وإنْ بدا غريباً وبعيداً عن الحس الجمالي السليم المعروف في الكثير من الأعمال العالميَّة التي أخذت مكانها كلاسيكياً، وسيطرت لقرون على العقل الفني الذي فقد السيطرة، وجعل من غير الممكن ما هو حقيقي. بل ويواجه بغموضه جدليات نقديَّة بين رفض وقبول واستغراب بتذبذب تولد عنه مواجهات نقديَّة أطلقت على بعضها الهلوسات الفنيَّة. فهل من هلوسات فنية احتلت المراكز الأولى وهي التي تميزت بالأوهام وبعدها عن الحقائق وحتى عن الخيال؟ أم أنَّ ما يحدث في العالم الآن قد تخطى المعقول وأصاب الفن بجنونٍ من نوعٍ آخر؟
إنَّ تنظيم الحركة التخيليَّة هي قدرة إبداعيَّة أخرى مضافة الى التأثيرات المرتبطة بالتقاليد الفنيَّة المتوارثة من المدارس الفنيَّة التي يخرج عنها الفنان بذريعة الميل الى توليد بدايات لا نهايات لها أو الانغماس في ما هو غير معقول أو يثير الدهشة والاستنكار. لدرجة الاستقطاب والتحليل لفهم الحالة التي أنجبت هذا العمل أو تلك التي خرجت من مسار أفكارنا الواقعيَّة وحتى السرياليَّة أو العفويَّة في التأليف والتركيب والفهم، والخروج عن المألوف كالذي وضع زوجاً من النظارات على الأرض في متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث. فهل سيرتقي هذا العمل المجنون الى درجة التحفة الفنيَّة الحديثة؟
إنَّ عمل العقل لا يمكن أنْ يتأثر بالجنون ما لم ينتفض على واقع يهذي، لتصبح الرسائل غير الواقعيَّة هي ابتكارات خرجت من عقلانيَّة كثفت رؤيتها، أو الأحرى استطاعت السيطرة على العبقريَّة والتحكم بها، لتكوين الفكرة التي تشكل قوة كبرى في خلق عالمٍ جديدٍ يرنو إليه البصر، محاولاً فك شفرته لفهم ما ورائيته أو خصوصيته والأسباب التي أدت لولادته، وجعله ضمن الشرارة الجديدة في الفن الخارج من عباءة الكلاسيكيَّة والمدارس الأخرى. ليبقى في تساؤلات مستمرة تحت سمة الجنون العبقري في الفن، وبمصطلحات تترجم الكثير من الرفض والانتقاد وإنْ استقطب الكثير من الجدليات، إلا أنَّه امتلك قدرة على الوجود وإنْ اختلف البعض في تسميته بالفن. فهل يمكن للجنون أنْ يخترق الخيال ويصبح في الفن تحت مسمى العبقريَّة في الفن؟