السينما العراقيَّة بين الثقافة والصناعة

منصة 2021/06/08
...

  عمار عبد الخالق
السينما العراقيَّة حافلة بمظاهر الاهتمام بعروض الأفلام منذ بدايات القرن الماضي، وأول فيلم سينمائي عرض في العراق عام 1909 وشكل نشاطاً سينمائياً في دور العرض والصالات في المدن العراقية، وبداية من العام 1928 نطقت السينما الصامتة للمرة الأولى في العراق، فلم يعد أصحاب دور العرض بحاجة إلى العازفين الذين كانت تتم الاستعانة بهم لإبعاد الملل عن المشاهدين، وتكلمت السينما لأول مرة في العراق من خلال فيلم (ملك الموسيقى) وبعد تلك الفترة بسنوات أنتج العراق أفلامه الخاصة، لكن صناعة تلك السينما كانت مع بداية الأربعينيات عبر أفلام مشتركة، وعبر أفلام ذات تقنيات بسيطة، لكنها مع فيلم (سعيد أفندي) شكلت انعطافة مهمة على مستوى الإخراج والتمثيل والتأليف، وفيلم (الحارس) وهو أول فيلم عراقي يحصد جائزة دوليَّة وقتذاك في مهرجان قرطاج.
وفي السنوات العشر الأخيرة خرجت أعمالٌ سينمائيَّة عديدة نافست بقوة الأعمال العربيَّة وصولاً إلى العالميَّة وتحقيق جوائز بجدارة واستحقاق رغم الصعوبات الحياتيَّة التي يعاني منها المخرج والممثل والكاتب وغياب الدعم الحكومي بشكل رئيس، لكنْ لم تقف هذه الأمور عائقاً أمام نجاح الشاب العراقي، مشاركات عدة للأفلام العراقيَّة في مختلف دول العالم ومنها الوثائقيَّة والقصيرة والروائيَّة، منها (شارع حيفا)، (الرحلة)، (نافذة حمراء)، (توزان)، (الناجون من ساحة الفردوس)، (وصمة عار).
 
هل الإنتاج السينمائي يعني الجوائز؟
هل يعكس هذا السؤال أزمة في النظر الى صناعة السينما؟ ولماذا الإعلام العراقي لم يهتم بالجوائز الفنية السينمائيَّة العالميَّة ولم يحتفِ بها بينما سلّط الاضواء على الجوائز الادبية؟
قال الممثل العراقي فلاح حسن: أعتقد أنَّ الإعلام العراقي يسير وفق آلية العمل القديمة عندما كان يهيمن عليه أدباء العراق، وأعتقد أنَّ هناك اهتماماً بسيطاً وغير مؤثر بالمنتج الفني بالعراق. وأجد أنَّ الإعلام العراقي اهتم بالفن المستهلك والنجوم المستهلكين أكثر من التجارب والنجوم المؤثرين.
وأضاف حسن «هناك أعمالٌ وممثلون قدموا أعمالاً عراقيَّة وعالميَّة لم يذكرها الإعلام العراقي.. فكيف تريد منه الاهتمام بتجارب السينما والمهرجانات العالميَّة».
 
نسخ - لصق
المخرج العراقي مهند حيال يرى «لا شك أنَّ من الظواهر الاعلامية السائدة في العراق اليوم على الرغم من تكاثر المنابر الإعلاميَّة بشكلٍ غير مسبوق، هي الانتقائية في تسليط الضوء على حدث أو خبر دون آخر، فضلاً عن الاجتهادات قصيرة النظر».
كل ذلك ينعكس على طريقة التغطيات الإعلاميَّة، علاوة على عملية الاستسهال فالتغطيات تفضل طريقة القص واللصق والاستنساخ الجاهز وبذلك لا يكون هنالك جهدٌ حقيقيٌّ يتطلبُ البحث والاستقصاء والتحري وتنويع المصادر وإعادة إنتاج الخبر قبل نشره.
وأضاف حيال قائلاً إنَّ «هذه المشكلة التي يعيشها الإعلام العراقي اليوم، هنالك سطحيَّة غريبة انعكست على كل شيء، لاحظ مساحة الأخبار والتغطيات، أنها تدلُّ على أنَّ من كتبها هو في عجلٍ ولا نفَس عنده طويلاً للتوقف عند الخبر.. وهذا كله انعكس على أخبار ما يجري في العالم وبما في ذلك منح جوائز سينمائية مثلاً، يضاف الى ذلك إنَّ المتخصصين في هذا المجال قليلون ولهذا فإنَّ المحرر لا تفرق عنده لمن أسندت الجائزة لأنه لا يعلم شيئاً عن الفائز إلا ما تجلبه الوكالات والمواقع من أخبارٍ ومعلومات جاهزة واما لجهة الجوائز في مجالات أخرى فلربما يتشجع أكثر بحكم أنَّ تجارة الكتب وفرت ترجمات وعرّفت بكتاب وصار من السهل الوصول إليهم».
 
غياب الدعم والوعي
أشار السيناريست ولاء المانع: «أعتقد أنَّ السينما خلال السنتين الماضيتين تأثرت بسبب الجائحة وتعطل الكثير من الأعمال السينمائيَّة والمشاريع المهمة التي عولت عليها جهات الإنتاج العالميَّة، فضلاً عن سوء التغطية الإعلاميَّة التي رافقت المحافل السينمائيَّة القليلة التي نجحت في عدم التوقف.. فمثلاً مهرجان كان والبافتا توقفا، بينما أقيم حفل الأوسكار بحفل بائس وممل وتم احتكار البث ولم ينجح الكثير حول العالم من مشاهدته».
وأضاف، أنَّ «السبب الرئيس في ذلك هو غياب الدعم والوعي بأهمية السينما في العراق ومنذ عقود وعملياً هي صناعة شبه متوقفة إلا من محاولات خجولة هنا وهناك، وتعود طبيعة هذا الأمر لتوقف السينما العراقيَّة والمعاناة التي تمر بها منذ عقود، بينما ما زال هناك جمهورٌ متعطشٌ للأعمال الأدبيَّة وما زال لها بريقٌ وسحرٌ لم يخفتا حتى الآن ونجح الأديب العراقي في المنافسة التي غابت عن السينما العراقيَّة».
 
الثقافة محددة
وبشأن التوصيف الثقافي للأعمال السينمائيَّة قال الناقد السينمائي علي حمود الحسن: «واحدة من إشكاليات خطابنا الثقافي العراقي، هي حصر مفهوم الثقاقة بالأدب والشعر والرواية- والى حدٍ ما النقد الأدبي - وهذا الأمر ليس جديداً على أية حال.
وأضاف «وعلى الرغم من الآمال المعقودة على تغيير المشهد الثقافي بكليته بعد العام 2003، إلا أنَّ هذا المفهوم القاصر ظل سائداً في المرحلة الانتقاليَّة التي شهدت تأسيس عشرات الصحف والمجلات- لم يبق منها إلا القليل- ليس هذا حسب، إنما تأصل هذا المفهوم المضلًل، بسبب أنَّ معظم محرري الصفحات، هم أدباء ما بين شاعر وقاص وناقد، وهؤلاء لا يفهمون الثقافة، إلا من خلال الأدب وبشكلٍ ثانوي العلوم والفنون».
ولفت الحسن «لذلك تراهم يحتفون بأي منجز روائي أو شعري ويكرسون له صفحاتهم، لا سيما الجوائز الأدبيَّة، بينما لا يهمهم ما يقع خارج هذه الدائرة، حتى وإنْ كانت جوائز نوبل في الفيزياء والطب والكيمياء، فتراهم لا يهتمون كثيراً بجوائز المهرجانات السينمائيَّة الكبرى على شاكلة (الأوسكار، (كان) و(برلين)... وغيرها الكثير».
من جانب آخر يرى سعد العصامي صانع محتوى سينمائي: أنَّ «الاهتمام بجميع الأمور الثقافيَّة أصبح فقيراً وليست السينما فقط، عانت السينما سابقاً و ما زالت تعاني من التجاهل، لا سيما بعد النجاح الكبير الذي حققه صناع الأفلام الشباب على مستوى المشاركات السينمائيَّة الكبيرة في شتى المهرجانات أو من خلال حصادهم لعشرات الجوائز.. لكنْ للأسف فإنَّ تسليط الضوء على المنجز السينمائي يكاد يكون معدوماً، وبالتالي استغل صناع الأفلام منصات التواصل الاجتماعي لنشر أخبارهم».
وأكد العصامي «كل هذا يعودُ الى ضياع الخارطة الصحفيَّة بسبب دخول الطارئين على مهنة الصحافة العظيمة، والغياب الواضح للتخصص في نقل هذا النوع من الأخبار، والملفت في الأمر أننا كصناع أفلام نجد اهتماماً كبيراً من الصحافة العربيَّة بنقل الأخبار السينمائية العراقيَّة، في وقت أصبحت الصحافة العراقيَّة تغض بصرها عن أي منجزٍ حقيقي».