أزمة فقدان السمع لدى الموسيقيين

بانوراما 2021/06/11
...

 هانا مـــي كيلروي
 ترجمة: مي اسماعيل
يشبّه الكثير من الموسيقيين أزمة تعرضهم لفقدان حاسة السمع بأنها كفقدان اليد، وهذا ما قدمه الفيلم السينمائي 
«صوت المعدن- Sound of Metal»، الذي عرض محنة عازف طبول يصارع فقدان السمع. وهي مشكلة وصفها نجم موسيقى الروك «مايلز كينيدي» بأنها منهكة وواسعة الانتشار بشكل مقلق. 
 
 
يعد الموضوع الذي طرحه فيلم صوت المعدن (الفائز بجائزتي «بافتا» للسينمائية البريطانية عن فئتي المونتاج والصوت وجائزتي أوسكار للفئتين ذاتها بعد ستة ترشيحات للموسم الحالي للجائزة) أسوأ كوابيس الموسيقيين؛ وفيه قام الممثل «ريز أحمد- Riz Ahmed» بدور «روبين ستون-Ruben Stone» عازف طبول معدنية يفقد سمعه، وهو دور جاءه بترشيح لجائزة أوسكار أفضل ممثل. قدم الفيلم معاناة خسارة روبين بذات الطريقة التي يسمعها بها؛ حيث يصبح صوت العالم من حوله والموسيقى الصاخبة التي يعزفها فجأة أزيزا مشوشا ومكتوما. ألقت تلك المشاهد المؤثرة المرعبة الضوء على أزمة خسارة وتلف حاسة السمع في جميع أنحاء صناعة الموسيقى؛ سواء كان بالصمم أو الطنين المستمر في الأذن. جاء في تقرير لجمعية «طنين الأذن البريطانية» (BTA) أن أكثر من نصف الموسيقيين البريطانيين الذين شملهم المسح ويعانون الطنين قالوا إن إصابتهم نتيجة تعرضهم للضوضاء العالية، وإن نحو الربع منهم قالوا إنهم لم يستعملوا حماية واقية للأذن قط!.  
 
مشكلة واقعيّة جدا
جرى تشخيص اصابة كينيدي بحالة طنين الأذن سنة 2002؛ قبل أن يترأس فرقة الروك الأميركية واسعة النجاح «آلتر بريدج- Alter Bridge». 
عزف كينيدي ضمن فرق الروك منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي، واعتاد العمل في أجواء عالية الضوضاء في استوديو منزله؛ لكنه ترك العمل الموسيقي بعد التشخيص، معلقا: «اعتقدتُ أن أيامي الموسيقية باتت معدودة؛ وتوقفت عن العزف الحي وعدتُ لتدريس العزف على الغيتار».
وحينما طلب منه «سلاش-Slash» عازف غيتار فريق «غانس أند روزيز» (الذي بات اسمه  لاحقا- «فيلفيت ريفولفر») اجراء تجربة أداء للانضمام للفريق؛ رفض كينيدي، قائلا: «كنت قلقا بشأن قدرتي السمعية، والخوف أن الأمر سيزداد سوءا.. والى أي حد؟».
يرى «ستيف لوكاثر» (أحد مؤسسي فرقة «توتو» لموسيقى الروك) أن.. «فقدان السمع بالنسبة للموسيقي يشبه فقدان أحدى اليدين». أُصيب لوكاثر بحالة الطنين منذ سنة 1986، ويعاني أيضا من فقدان حاسة السمع. لكن مشاهدة فيلم «صوت المعدن» أثّر فيه كثيرا.. يقول: «أزعجني الفيلم؛ فأنا أعرف تماما ماذا يعني أن يكون سمعي مكتوما.. انه أمر مرعب، ومشكلة واقعية جدا».
بدأت حالة الطنين لدى «آموس ويليامز» عازف الغيتار في فرقة «Tesseract» منذ سن المراهقة؛ إذ اعتاد على عزف الطبول مع فرق متعددة والآلات الايقاعية مع اوركسترا المدرسة. يستذكر ويليامز قائلا: «لم يشرح لي أحد قط خطورة التعرض للضوضاء العالية دون حماية للأذن؛ وهكذا كان «الطنين» في أُذني أمرا شبه متوقع، حينما نعزف أو نحضر حفلات موسيقية. لذا أصبحت حالتي متزايدة السوء؛ والآن لم أعد أشعر بمعنى شيء اسمه- الصمت».
 
طنين الصراصير
بعد سنوات من العمل في تنظيم الجولات الفنية؛ أصيبت «ليزا كوب» (موظفة شركة تسجيل) بضرر جهاز السمع وحالة الطنين، وتقول: «لم يكن أحدنا يتحدث عن ارتداء السماعات الواقية.. لا استطيع سماع أي شيء تحت مستوى شدة صوت معينة؛ وحينما أشعر بالتوتر يصبح الطنين في أُذني كأنه عزف جوقة من الصراصير». يمكن أن تصبح حالة الطنين أمرا مُنهِكا، جسديا ونفسيا؛ وعادة ما تصرخ الاصوات بأعلى ما يمكن خلال دقائق الصمت والهدوء. ويشكو أغلب المصابين من أن أسوأ أوقاتهم هي حين يذهبون للنوم. يقول «دان سميث» عازف غيتار ضمن فرقة الموسيقى «Calligram»: «لا أستطيع النوم دون الاستماع الى بودكاست؛ فحينما استمع لموسيقى هادئة بواسطة السماعات (الهيدفون) أستمر بسماع طنين أُذُنيَّ فوق صوت الموسيقى». يخشى العاملون في الموسيقى من أن تؤثر الاصابة في مصدر رزقهم. فقد عانت المغنية وكاتبة الاغاني «روزالي كاننغهام» من تدهور بسيط في قدرتها السمعية منذ سنوات؛ ولكن إصابتها بكوفيد- 19 زادت أعراضها سوءاً، والآن أصبح احتمال عودتها للغناء أمرا مقلقا، كما تقول: «أشعر بالذعر من أن شيئا سيقع وأنا على خشبة المسرح، ولن أعرف كيف سأتصرف..». 
 
تأقلم وتعايش
في العام 2016 بدأت جمعية «ساعدوا الموسيقيين» بالمملكة المتحدة برنامج صحة السمع للموسيقيين بالتعاون مع نقابة الموسيقيين؛ وهو برنامج يتيح لهم الوصول لتقييم كفاءة السمع وسدادات الاذن المقولبة بكلف مخفضة. يقول «جيمس أينسكوف» الرئيس التنفيذي للجمعية الخيرية (التي ساعدت حتى الآن نحو 12 ألف شخص): «ينبغي على الموسيقيين العناية بسمعهم بقدر ما يعتنون بآلاتهم الموسيقية». وهناك أيضا خدمة تقديم دعم الصحة العقلية؛ من جمعية «عقول الموسيقى مهمة»؛ بينما تعقد جمعية (BTA) حلقات مساندة شهرية خاصة بالموسيقيين. وتصف «أوكونيل» الأمر قائلة: «بينما قد لا يوجد علاج، توجد طرق للتعامل مع طنين الأذن والتعايش معه بشكل جيد». يقول المصابون إن هناك تقنياتٍ ساعدتهم؛ مثل ارتداء أجهزة مراقبة داخل الأذن وسدادات أذن مقولبة، اضافة للحفاظ على رطوبة الجسم وتجنب الإجهاد، واستخدام البودكاست والموسيقى كوسيلة إلهاء والانضمام لمجموعات الدعم والعلاج؛ لضمان الوصول لقناعة التعامل مع الحالة. بعد نحو عامين من تشخيص حالة الطنين لديه، انضم كينيدي لفرقة «آلتر بريدج» وقام بجولات عزف حول العالم. ولم تعد حالته تعيق عمله؛ بفضل التأمل وأجهزة مراقبة داخل الأذن ذات التقنية المتطورة. وعن هذا يقول: «أجبرني الطنين على الاعتناء بسمعي، ولو أجريت حوارا بعد عشرين سنة من الآن؛ أُريد أن أكون قادرا على سماع كل كلمة. كان عليَّ تعلم تجاوز القلق؛ مما تطلب وقتا طويلا للوصول لهذه النقطة. استخدام الاجهزة يعني استمراري بعمل ما أحبه دون التعرض لأضرار أخرى؛ وأنا ممتن لذلك؛ فلا استطيع تصور حياة من دون موسيقى».