ترجمة: مي اسماعيل
خسارة شريك الحياة أمر مروع، يتطلب من الانسان واحدة من أصعب فترات التأقلم في الحياة، ويرى بعض الخبراء الاجتماعيين أن تلك الخسارة وتقبل الهوية الجديدة التي تُفرض على الشريك الآخر تتطلب ما لا يقل عن ثلاث سنوات للتعايش معها، وغالبا لفترة أطول، اذ يعتاد الانسان على الوجود المستمر للشريك (الزوج/ الزوجة)؛ من التحية عند العودة للمنزل الى المساهمة والاشتراك بمواجهة متطلبات الحياة اليومية، وهناك أيضا القصص التي يتبادلها الانسان على مائدة الغداء، وامتداح الانجازات والنقاش حول من سيقوم بهذا الشيء أو ذاك، وفجأة يختفي كل ذلك.
من الطبيعي والمقبول أن يحزن الانسان على خسارة شريك الحياة، وأيضا على تلك اللفتات المتبادلة التي قد تبدو ثانوية لدى البعض، ولأن شريك الحياة كان له حضور يومي؛ قد يجد الطرف الآخر نفسه مشغولا بأفكار وأحلام عن الطرف المفقود؛ فقد يبحث عنه وسط جمع من الناس، أو يعتقد أنه لمحه بطرف العين في مكان ما، ويعيش البعض حالة استعادة الظروف والأحداث التي أحاطت بواقعة موت الشريك، ويستمر آخرون بتطبيق الروتين القديم، بوضع طبقين على المائدة، وقراءة موضوع ما والالتفات لاخبار الشريك عما قرأ او قرأت، أو التقاط الهاتف لمحادثة الشريك واخباره عن حدثٍ ما، وهذه كلها تصرفات طبيعية ومتوقعة.
الوحدة.. أكبر التحديات
لأن شريك الحياة كان جزءاً أساسيا من الحياة اليومية؛ فإن غيابه شيء يستشعره المرء مباشرة، وغالبا لفترة أطول من الزمن، وبغض النظر عن فترة وطبيعة العلاقة بين الزوجين؛ فان الطرف الآخر هو الانسان الذي درست معه خططا طويلة الأمد للحياة واخترت قضاء عمرك معه، هي او هو شخص استشعرت صفاته الاستثنائية، وحس الفكاهة وسحر الشخصية، ونمط التفكير ونقاط التعاطف والقوة، ولن يملأ شخص آخر مكانه أبدا، ورغم صعوبة وحدة الخسارة؛ فإن البقاء وحيدا لا يعني حياة من الوحدة، قد يشعر الانسان بدءا بالرغبة في عزل النفس عن الآخرين؛ لكن التواصل مع الاهل والاقارب والاصدقاء للحصول على الدعم المعنوي أمر أساسي.
تحدي الجانب الاقتصادي
اذا كان الشريك المفقود يتولى عادة الشؤون المالية؛ قد يجد الطرف الآخر نفسه في حالة ضياع، ولا يفهم موقفه المالي، ولا يجب الخجل من ذلك؛ ففي أغلب الاسر يقوم احد الازواج بمفرده بتصريف الشؤون اليومية، وقد لا يبدو وجود سبب يبرر مناقشة التفاصيل مع الآخر، لكن الموت المفاجئ لأحدهما قد يأتي من دون توقع، ويكون الطرف الثاني غالبا غير مستعد لمواجهة الموقف، للأسف تكون الشؤون المالية عادة تحديا مباشرا بعد الخسارة، وفي وقت قد تشعر الاسرة بغياب القدرة على التصرف، إضافة للمصاريف الاعتيادية ستواجه الاسرة تكاليف المستشفى والجنازة وغيرها، ويمكن هنا اللجوء لاستشارة أحد أفراد الاسرة او الأقارب و الأصدقاء ليكون بمثابة مستشار اقتصادي، للمساعدة في اتخاذ قرارات صائبة والبقاء خارج التخبط في توزيع الموارد لتغطية الالتزامات المالية.
اعتبارات أخرى لكبار السن
قد تُحتم وفاة أحد الزوجين والحالة الاقتصادية الناتجة عن ذلك ضرورة حدوث تغيير في اسلوب وظروف حياة الطرف الآخر؛ وهذا النوع من القرارات من الأفضل أن يتم اتخاذه بعد ما لا يقل عن 6-12 شهرا إذا سمحت الظروف، وليس من المحبذ اتخاذ قرارات مفصلية خلال مراحل الحزن الأولى، ولكن بالنسبة للأشخاص المسنين قد تعني وفاة الشريك نهاية مسار المعيشة المستقلة، واذا كانت الحالة الصحية/ الجسمية للطرف المتبقي معتمدة على اسناد الشريك؛ فان هذا السبب للتخلي عن الاستقلالية قد يعني سببا آخر للحزن، إذا وجد الانسان نفسه مضطرا للتعامل مع تلك الحالة فمن الافضل استشارة آخرين مروا بتجربة مماثلة، واذا اضطر للانتقال الى دار لرعاية المسنين فهناك بعض المختصين الذين يمكنهم المساعدة أثناء فترة التأقلم.
استعادة التوازن بعد الصدمة
يشعر المرء بصعوبة مواجهة حالة تحول صفته من زوج/ زوجة الى وصف الأرمل/ الأرملة؛ وهو وصف قاسٍ يُقيّد أصحابه ضمن أُطر معينة، ورغم صعوبة الموقف يجب على الشخص ألا يجعل من ذلك الوصف الجديد المقياس الوحيد لتعريف الذات، وبمرور الوقت سيستعيد الانسان طاقته وأمله بمواجهة المستقبل؛ مهما بدا المستقبل بعيدا، والوصول اليه صعبا في الوقت الراهن، وسيعيد تعريف ذاته وحياته، ومن الصعب والمهم (في الوقت ذاته) أن يعتني الانسان بنفسه وهو يتعامل مع الحزن؛ فالخسارة قد تسلب الطاقة الذاتية والمخزون العاطفي والقدرة على مواجهة التقلبات الحياتية، ولا بأس من الاستعانة بالذخيرة الروحية وتجارب الآخرين للخروج من تلك الفترة، كما أن إسناد الآخرين للشخص يمثل عنصرا حيويا للشفاء؛ فدعم الاقارب والاصدقاء وأفراد المجتمع ممن عاشوا أحزانا مماثلة يخفف من الألم، والقدرة على مشاركة الآخرين بالمشاعر جزء من مسيرة
الشفاء.
موقع «هيلنغ. أورغ»