القاضي الهندي ومحاولة الدفاع عن قادة اليابان

بانوراما 2021/06/17
...

 تشارو سودان كاستوري
 ترجمة: بهاء سلمان 
بعد محاكمة استغرقت 932 يوما، نطق القاضي الاسترالي ويليام ويب بقرار المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، التي أسستها قوات التحالف لاستجواب كبار القادة والمسؤولين اليابانيين عن فظائع ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية: {الكل مذنبون}.
ولكن مع نطقه بالحكم في ذلك اليوم، 12 تشرين الثاني 1948، أشار ويب أيضا إلى حكم مخالف بقي لأكثر من سبعين سنة يلقي بظلاله على الحكم الجماعي، فقد عبر {رادهابينود بال}، عضو هيئة المستشارين التي تضم 11 قاضيا، عن رفضه رأي أغلبية زملائه، وهاجم الحكم كعقوبة.
مخالفة الجميع
شأنه شان الآخرين، توصل {بال} إلى أن اليابان ارتكبت جرائم وحشية في البلدان التي احتلتها، وضد
الأسرى. 
وقد استند إلى انتقاد لاذع للاستعمار والإمبريالية الأوروبية بعد سنة من نيل الهند لاستقلالها عن بريطانيا. 
وبالنسبة للمسؤولين اليابانيين المستجوبين أمام المحكمة، وبضمنهم رئيس الوزراء أثناء فترة الحرب، هيديكي توجو، الذي أمر شخصيا بتنفيذ هجوم ميناء بيرل هاربر، كان قرار بال خاليا من الغموض بشكل متساو. “أنا أحتفظ برأيي كون كل واحد من المتهمين ينبغي أن يعد غير مذنب لكل وجميع التهم الواردة ضمن لائحة الاتهام،” هكذا كتب بال.
مثل هذه النيران الصديقة لم تخطر على بال قوات الحلفاء حينما أسست المحكمة ربيع عام 1946، لتسيير شؤون {محاكمات طوكيو} المماثلة لمحاكمات نورنبيرغ ضد المسؤولين النازيين. 
قام الجنرال دوغلاس ماكرثر، القائد العسكري الأميركي لليابان ما بعد الحرب، بحظر نشر حكم بال هناك. وأعد بعض الباحثين آراء بال الجدلية مضللة وغير نزيهة، ووجدها آخرون متناقضة، بينما بقي البعض، مع ذلك يثني على تفكيره المستقل. وفي النهاية نشرت توصيته الطويلة (1235 صفحة) في اليابان سنة 1952، وهي السنة التي أنهت بها الولايات المتحدة احتلالها رسميا للبلاد. ضربت آراء بال على وتر فوري هناك، بحسب الباحثين والدبلوماسيين؛ فسرعان ما أصبح يمثل {أيقونة للقومية اليابانية المتطرفة} كما تقول لاثا فاراداراجان، استاذ العلوم السياسية بجامعة سان دييغو، التي تواصل تأليف كتاب عن محاكمات جرائم الحرب. وصار بال شخصية مهمة في العلاقات الحديثة بين اليابان 
والهند.
 
ثقافة عالية
يقول هيمانت كريشان سينغ، سفير الهند لدى اليابان من 2006 لغاية 2010: {كان لحكم بال رنين عميق في تلك المرحلة، عندما كانت اليابان المحطمة تنهض من الحرب وصار من العلامات المهمة}. ولد بال سنة 1886 في بنغلاديش، ودرس الرياضيات والقانون، وترقى بالدرجات الأكاديمية، قبل أن يصبح قاضيا في محكمة كلكتا العليا سنة 1941. 
من الناحية القانونية، كما جادل بال، لا يمكن إدانة توجو و27 آخرين، مات منهما اثنان قبل النطق بالحكم النهائي، لأن الجرائم التي ارتكبوها سبقت القانون الدولي المحيط بجرائم الحرب الذي أرادت المحكمة توظيفه ضدهم. 
وقدم بال اليابان كحصن ضد انتشار الشيوعية؛ إلا أن افضل ما يمكن ذكره عنه هو جداله عن كون التوسع الإمبريالي لليابان مثل جزءا من سلسلة أحداث لا يسع الاستعمار الاوروبي النأي بنفسه عن فعلها. {كان واضحا للغاية بآرائه المناهضة للإمبريالية}، كما يقول {اشيس ناندي}، أحد أكثر علماء الاجتماع شهرة في الهند، الذي بحث بشخصية بال مطولا على مدى عقود.
يعترف ناندي بتوظيف الوطنيين اليابانيين لقرار بال كأداة للتقليل من شان جرائم بلادهم الحربية، وهو أمر لم يرغب به بال، بحسب عالم الاجتماع الشهير. 
وفي سنة 1965، منح بال وسام {أمر الكنز المقدس} من قبل إمبراطور اليابان، ورفعت له تماثيل في ضريح ياسوكوني وسط طوكيو، حيث يتم أيضا إحياء ذكرى أكثر من ألف مجرم حرب هناك، قرب ضريح ريوزين جوكوكو في مدينة كيوتو.
 
صراع آسيوي أوروبي
كان من الصعب الموازنة بين اهانته للاستعمار والرفض المتزامن لإدانة الإمبريالية اليابانية. تقول فاراداراجان: {كان بال الوحيد من بين 11 قاضيا مدركا لوضع العيش تحت نير الإمبريالية والاضطهاد الاستعماري، لكنه أخفق لاحقا في تطبيق تلك المعايير لما فعلته اليابان}. لقد عكست جدالات بال نزعة من التفكير كانت موجودة لدى الهند لسنوات؛ فيرى المفكرون الهنود أن نهضة اليابان كقوة حديثة خلال بدايات القرن العشرين، خصوصا بعد دحرها روسيا القيصرية في حربهما سنة 1905، مثلت دليلا على امكانية تحدي الدول الآسيوية لأوروبا.ينتمي بال إلى البنغال، وهي جزء من الهند كانت موطنا لـ {الجيش الوطني الهندي}، وهي مجموعة متمرّدة طلبت مساعدة اليابان لهزيمة المستعمر البريطاني. ومع توقف الزحف العسكري لرئيس الوزراء توجو خلال الحرب العالمية الثانية عند ماينمار، وعدم دخوله الهند، لم تتكبد البلاد معاناة الاحتلال الياباني مثلما حصل لشرق وجنوب غرب آسيا. ومع ذلك، كما يوحي سينغ، ما فعله بال سنة 1948 مثل علامة فارقة: {كان مثالا للإستقلال بالوقوف ضد رأي الأغلبية داخل محاكمات 
طوكيو}.
آنذاك، نأت حكومة الهند المستقلة حديثا برئاسة جواهر لآ نهرو بنفسها عن حكم بال، مشيرة إلى كونه موظفا لدى حكومة الهند البريطانية. ولربما كان هذا القاضي، المتوفى سنة 1967، معروفا بشكل أفضل لليابان عنه في الهند، بحسب فاراداراجان، لكن الحركة الوطنية اليمينية لكلا البلدين تذكرانه بوصفه رمزا لعلاقتهما الحميمية التاريخية.
 
مجلة اوزي الاميركية