الصينية شوي لي.. حين يتحول الاختلاف إلى نجاح

بانوراما 2021/06/19
...

  ترجمة: ليندا أدور
كانت شوي لي طفلة عندما تركها والداها على الأرض أمام دار للأيتام، ففي الصين ينظر الى مرض المهق (البرص ويعرف بالألبينو albinism ) على أنه لعنة نقص في كمية صبغة الميلانين في الجلد والشعر والعينين، هو ما يتسبب بهذه الحالة الوراثية النادرة والذي جعل بشرة هذه الطفلة وشعرها شاحبين كما جعلها شديدة الحساسية لضوء الشمس.
لكن هذا المظهر المختلف لشوي لي آبينج، هو ما قادها   للنجاح في مسيرتها الفنية كعارضة أزياء، التي اصبحت اليوم بعمر 16 عاما، تزين صفحات مجلة فوغ العالمية وتتصدر حملات كبار المصممين العالميين، سنروي هنا قصة نجاح شوي لي.
جمال الثلج
أطلق عليها العاملون في الميتم اسم شوي لي Xue Li ويعني “جمال الثلج”، وعند بلوغها الثالثة من العمر ذهبت للعيش في هولندا مع الأسرة التي تبنتها المكونة من الأم والأخت، حينها لم تفكر والدتها بالتبني باسم أفضل من هذا، اذ كانت تظن أنه من المهم أن تحتفظ به كدليل على جذورها الصينية.
لم تكن شوي لي محظوظة عندما ولدت في الصين التي كانت تفرض حينها سياسة الطفل الواحد، فكيف هو الحال إن كان هذا الطفل مصابا بالمهق، ولجأت الأسر الى التخلي وترك أطفالها، مثل ما حصل مع شوي لي، ومنهم من تم حبسه والتحفظ عليه، وعندما يذهب أحدهم الى المدرسة يتم صبغ شعره باللون الأسود، أما في بعض البلدان الأفريقية، فيتم اصطياد المصابين بالمهق وتُقطع أطرافهم أو يُقتلون، اذ يستخدم السحرة عظامهم لصنع الأدوية التي يؤمن الناس هناك بخرافة أنها تشفي من الأمراض.
لم يترك والدا الطفلة شوي لي أية معلومات عنها، لذلك هي لا تعرف متى يصادف يوم ميلادها بالتحديد، ومنذ نحو عام، أجري فحص بالأشعة السينية على يدها للحصول على معلومات أدق عن عمرها، ورجح الأطباء أن فكرة كون عمرها يبلغ الخامسة عشرة قد تكون صحيحة. 
 
عيوب مثالية
بدأت شوي لي عملها في مجال عرض الأزياء بمحض الصدفة، عندما كانت في الحادية عشرة من العمر، وكانت والدتها بالتبني على اتصال بمصممة أزياء أصلها من هونغ كونغ، لديها ابن يعاني من الشفة المشقوقة (الشفة الأرنبية)، وقد قررت تنفيذ رغبتها بتصميم ملابس فاخرة للغاية له، لشغل الناس عن التحديق في شفته وفمه على الدوام، وأطلقت على حملتها هذه اسم «عيوب مثالية»، فكانت تجربة مدهشة عندما انضمت شوي لي إلى عرض الأزياء الخاص في هونغ كونغ، بعدها بدأت العروض تنهال عليها، فتلقت دعوة من المصور البريطاني بروك إلبانك لتصويرها في الاستوديو وسط لندن، كما تواصلت معها وكالة عارضات الأزياء «زيبيدي  “Zebedee   لرعاية المواهب لتسألها عن رغبتها في الانضمام اليها لتمثيل الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بمجال صناعة الأزياء.
 نُشرت واحدة من الصور التي التقطها لها إلبانك بمجلة فوغ بنسختها الإيطالية في عددها الصادر بشهر حزيران من العام 2019، حينها لم تكن شوي لي تعرف مدى أهمية المجلة واستغرق الأمر وقتا لتدرك سبب تحمس الناس لها.
في عالم الأزياء، أن تبدو مختلفا يعد نعمة وليس نقمة، وقد منح ذلك شوي لي منصة لزيادة التوعية بالمهق، ان الاستعانة بذوي الاحتياجات الخاصة أو المختلفين على نطاق أوسع في وسائل الإعلام، شيء جيد، لكن يجب أن يكون ضمن الحدود الطبيعية، فالعارضات المصابات بالمهق غالبا ما يتم تصويرهن ضمن صور نمطية للتعبير عن الملائكة أو الأشباح، لا سيما ان هذا الأمر يكرس بعض المعتقدات التي تعرض حياة الأطفال المهق الى الخطر في دول مثل تنزانيا وملاوي.
 
تغيير العالم
جعلت إصابة شوي لي بالمهق نسبة رؤيتها لا تزيد عن عشرة بالمئة فقط، كما لا يمكنها النظر مباشرة الى مصادر الضوء لأنها تكون مؤذية للعين، ففي بعض الأحيان تضطر، عند سطوع الضوء أثناء جلسة التصوير الى طلب أن تغمض عينيها أو تخفيف حدة الضوء، أو الاكتفاء بثلاث صور فقط، لا أكثر، وعيناها مفتوحتان. 
يرى الناس ان الاعتلال البصري الذي تعاني منه شوي لي منحها منظورا مختلفا وبأنها ترى تفاصيل لا يدركها آخرون، الى جانب انه جعلها لا تأبه بالنظرة التقليدية للجمال، ربما لأنها لا تستطيع رؤية الأشياء بوضوح، ما جعلها تركز على أصوات الأشخاص وما يتوجب عليهم قوله، فصار جمالهم الداخلي هو الأهم بالنسبة لها.
تطمح شوي لي لاستخدام عروض الأزياء للتعريف بأن المهق هو اضطراب وراثي وليس لعنة، وان طريقة الحديث عنه تكون بـ»شخص مصاب بالمهق» فكون  شخص هو «البينو» تبدو وكأنه تعريف بهويته ومن يكون، بعبارة أخرى، تطمح الى تغيير العالم من خلال ذلك، وان تجعل من الأطفال المصابين بالمهق أو أي شكل من أشكال الإعاقة او الاختلاف، قادرين على القيام بأي شيء يرغبون به، وأن يفعلوا كل شيء مثل أي شخص آخر، يمكنهم ذلك، فقط عليهم أن يحاولوا.
*موقع بي بي سي البريطاني