إقبال ضعيف للروس على تلقي لقاح {كورونا}

بانوراما 2021/06/20
...

 إيكاترينا سينيلشيكوفا
 ترجمة: شيماء ميران
افتتحت روسيا اول محطة للتلقيح ضد (كوفيد- 19) في مركز التسوق الرئيس قرب الساحة الحمراء وسط موسكو. ووضعت العلامات بين شاشات العرض للإشارة إلى مكان المحطة. ورغم بث رسائل التذكير عبر نظام مخاطبة عام لتوجيه من يرغب بتلقي اللقاح، ومن دون حجز موعد مسبق، لكن الممرات الطويلة لمدخل المحطة تكاد تكون خالية تماما احيانا. وبعد عدة أشهر من برنامج التلقيح الشامل، كانت نصف المحطات خالية وسط العاصمة، رغم ان الناس يمرون من امامها حاملين اكياس التسوق من محال البيع المزدحمة.
صرّح فاليري فيدوروف، المدير العام لمركز ابحاث الرأي العام الروسي انه: {رغم وجود لقاحات كافية، ومراكز تلقيح كثيرة وافتتاح اخرى جديدة، وتهيئة الخدمات اللوجستية، لكن معدل رغبة المواطنين ضعيف. فلا يوجد إقبال على تلقي التلقيح}. وتقول مراكز استطلاع الرأي إن أكثر من نصف الروس ضد اللقاح.
اما خارج موسكو الوضع مختلف نوعا ما، فمراكز التسوق تخلو من محطات التلقيح، وجميعها تستوجب اخذ موعد مسبق بسبب إنقطاع امدادات اللقاح. لكن روسيا تبقى الدولة الأكثر تمتعا بوفرة اللقاحات حاليا، وهناك ثلاثة لقاحات مضمونة على نطاق واسع، هي: سبوتنيك v، وايبيفاكورونا، وكوفيفاك.
وبحسب الاحصاءات الاخيرة، فإن 11 مليون شخص او ثمانية بالمئة من البالغين تلقوا جرعة واحدة من اللقاح، واكثر من نصف هذا الرقم بقليل اخذوا جرعتين. وهو اقل بكثير من الدول المنتجة للقاحاتها، ففي بريطانيا تلقح اكثر من نصف البالغين، وفي أميركا 40 بالمئة اخذوا جرعتين على الاقل. بينما المعدل الحالي لروسيا يتعارض مع الخطط الحكومية، فقد اعلن ميخائيل موراشكو وزير الصحة مؤخرا أن الخطة كانت تلقيح 30 مليون روسي تقريبا، اي 20 بالمئة من السكان بحلول حزيران.
 
كارثة العلاقة العامة
لا يزال لقاح سبوتنيك V هو اللقاح الرئيس الذي تصنعه البلاد، وهو اول لقاح مسجل في العالم ضد الفايروس. لكن فور الاعلان عنه ساد شعور بأن هناك خطأ ما، فلم يخضع لتجارب مطولة.
ويكتب أحد المساهمين في منتدى مشهور: {لا يمكن الوثوق في لقاح صُنّع خلال شهور قليلة فقط. فأنا لا أنكر وجود كوفيد، وقد اصيب به أحد أقاربي وكان الامر مخيفا للغاية، لكن ليس لدرجة ان تجعل المرء يهرع لتلقي لقاح تلبية لطموح شخص ما، فقد كان اللقاح مرتجلا بطريقة غير منتظمة وجاهزة، ومن المفترض ان يقضي سنتين او ثلاث على الاقل لتطويره وطرحه}. 
حتى ان المقال اللاحق المنشور في مجلة {لانسيت} الطبية المرموقة والذي عرض فيه مؤشرات اللقاح الجيدة فشل في التغلب على الانطباعات الأولى. وبحسب استطلاعات الرأي في مركز ليفادا تراجعت اعداد الراغبين بالتلقيح منذ مطلع آذار الماضي وما بعده، والسبب الرئيس هو الخوف من الاعراض الجانبية. 
ورفض المواطنون تصريحات السلطات بأن من يتلقى اللقاح لا يُنصح بشرب الكحول لمدة اسبوعين قبل التلقيح و42 يوما بعده، في هذه الحالة تم تخفيف تلك التوصيات في النهاية إلى السماح بالشرب المعتدل. 
ويرى ايليا ياسني رئيس قسم الابحاث العلمية في مؤسسة إينبو فينتجر الطبية أن روسيا لا تمتلك قاعدة بيانات وطنية حتى الآن حول إمدادات اللقاحات والمخزونات المتاحة وإمكانيات الحصول على أحد اللقاحات الثلاثة. 
 
مشكلة لوجستيَّة عالميَّة
لم يُعلن عن مشكلات ونقص في إمدادات اللقاحات من قبل المنظم الرسمي لإمدادات اللقاحات. وقيل إن السبب الرئيس للاخطاء في بداية حملة التلقيح الشاملة هو سلسلة التبريد الاكثر صرامة في العالم، وأوضح إيفان جلوشكوف، نائب رئيس شركة ايميون تكنولوجي عن لقاح سبوتينك V: {لا يمكن الاحتفاظ باللقاح بدرجة حرارة تزيد عن 18 درجة مئوية لمدة خمس دقائق، وذلك لضمان الحفاظ على مواصفاته}. 
وهذا ما أعاق توزيع الجرعات بسرعة وإمداد جميع المناطق بالكمية ذاتها. وتوضح يكاترينا كوربانجالييفا، عضوة المجلس المدني الروسي ورئيسة مركز أبحاث أوسوبو مايني: {المشكلة هي أن جميع المراكز اللوجستية في أنحاء روسيا والعالم مهيئة لدرجات حرارة تتراوح بين 8 - 2 درجة مئوية. وهذه هي المعايير المشتركة لتخزين الأدوية المتفق عليها منذ السبعينيات والثمانينيات. وقد اطلعني كبير المسؤولين الطبيين في إحدى المناطق أنه كان يتوجب عليهم تسليم الدُفعات الصغيرة المفترض وصولها في سيارات الإسعاف. بلدنا شاسعة ونحتاج إلى وقت لإيصال كل شيء وتوزيعه وتخزينه}.
لكن في كانون الثاني الماضي، قام المطورون بتحسين اللقاح وسمحت وزارة الصحة بتخزينه في درجات حرارة فوق الصفر مئوي. ومع ذلك، تصل التقارير عن النقص الحاصل من كل مكان تقريبا عدا موسكو، وبحسب مسؤولين وخبراء بهذا الشأن فاللوم يقع على نقص القدرات الإنتاجية. في الوقت ذاته، لا توجد لقاحات اجنبية حتى الآن في روسيا، ولا اية تواريخ تقريبية لتاريخ تسجيلها، عدا لقاح سبوتينك المصنوع خارج روسيا، ومثل هذه اللقاحات يمكن ان تدخل روسيا بغية تسريع معدل التطعيم.
 
نظريات المؤامرة ونقص الحافز
لم تكن المواقف من التطعيم إيجابية في روسيا نتيجة انتشار نظريات المؤامرة والحركة المناهضة للتطعيم، والتي تنشر آراءها عبر وسائل الإعلام الرسمية ودردشات التليغرام وقنوات اليوتيوب، بينما تجتذب مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي مئات الآلاف من المشتركين.
فخلال العام الماضي، قام سكان أوسيتيا الشمالية بإحراق أبراج الهاتف المحمول لمرتين، ظنا منهم أنها أبراج 5G، بينما شهدت داغستان وقراتشاي تشركيسيا وكراي ستافروبول وكوبان تظاهرات ضد نصبها. فهناك نظرية مؤامرة شائعة بأن الإشعاع الصادر عن الاتصالات المحمولة يثبط جهاز المناعة، ما يُعرّض الناس للإصابة بالفيروس. ونصب متظاهرون الخيام على جبال الأورال قرب مدينة يكاترينبورغ التي تضم موقع بناء منشآت ألكترونية، رغم أنها لا علاقة لها بشبكة 5G. ويعتقد العديد من الروس أن فيروس كورونا الجديد هو سلاح بيولوجي تم تطويره بشكل مصطنع.
لم تكن هذه الاسباب فقط، ربما يكون الروس غير مستعدين للتلقيح، لعدم وجود الحافز، خصوصا أن غالبية القيود قد رفعتها السلطات ومنذ فترة طويلة، فلا يوجد حظر على السفر بين المناطق أو تجمعات المواطنين، وفُتحت اماكن تناول الطعام، وغيرها من التدابير الاخرى التي لها تأثير ملموس على نمط حياة الناس، بعد انخفاض اعداد الاصابات لديهم. ويرى مختصون أن الارتفاع الحاد لمعدل الإصابات وقفزات معدل الشفاء يمكن أن تحفز الروس على تلقي اللقاح. لكن عامة الناس يرون انه إذا كان معدل البقاء على قيد الحياة من الفيروس لمن تقل أعمارهم عن 65 عاما تفوق 99 بالمئة، وارتفاع فعالية اللقاح بنسبة 91 بالمئة، فلا حاجة للتلقيح.
 
عن موقع راشيا بياند هيدلاينز