نصوص من قلب العاصفة

ثقافة شعبية 2021/06/20
...

عامر عاصي
العاصفة الشعرية العراقية التي عصفت بعمود الخليل، وانجبت تفعيلة السياب، انتقلت إلى الأدب العامي العراقي  في بداية الخمسينيات، فنقلته الى فضاءات ايقاعية جديدة، رافقها تجديد في الصورة والقاموس، حطم الثنائيات القديمة، والتلازم القسري بين مفردات مستهلكة مكررة، واستمر تطور النص العامي الجديد على مستويات الصورة والأدوات وبناء الجملة والموضوع، من بداية الخمسينيات حتى الستينيات والسبعينيات، لينجب الأسماء التي حرثت الأرض الايقاعية البكر، فانبتت نتاجا ظل راسخا في ذاكرة التلقي العراقي بعد أن زجت القصيدة في الحرب الثمانينية وألبست الخاكي، وحملت السلاح وتغنت بالموت.
واستمر توقف عجلة النص الشعري في التسعينيات، حين وضعت فيها عصا الحصار الاقتصادي الذي اضيف الى عوامل الكبت والعسكرة، فلم يفلت من هذه الكماشة الا شعراء قليلون حافظوا على الحبل السري الممدود بين تجاربهم والتراكم الجمالي للسبعينيات وما قبلها، ولكنهم كانوا يكتبون متأثرين بهاجس حضور القامع في لحظة الكتابة.
بعد عام 2003، تضافرت عوامل عديدة تمكنت من اعادة الحياة لعملية تطور النص، بعد أن وفرت رأس الخيط الممتد من السبعينيات نحو الالفية الثانية على الرغم من وجود أجزاء كبيرة منه تحت رماد الحروب، فقد عادت العاصفة الاولى بشكلها الأشد حين حملت في دوامتها متناقضات حادة وصارخة من الحرية والموت وأزمة الهوية والأسئلة الوجودية وتصادم الأفكار والانتماءات وتسارع الأحداث والتقنيات من الفضائيات والسوشيال ميديا والعصف المعلوماتي الجارف، ما خلق بيئة متفردة من دوافع الكتابة، فضلا عن خلق جيل ولد في قلب العاصفة، وفي قلب العاصفة تعرف على تجارب السبعينيين، فتحرر ممن بعدهم، ثم تحرر منهم، ليسير في رحلة القصيدة حاملا في زوادته خطابا عاطفياً قلقاً وهو يدفع بصدره رياح الاسئلة الكبرى التي اضفت على النص تناقضات بشاعة الموت ووفرته، وقسوة الحياة وجمالها، فكان نصه مغايرا تماما.
تحطمت التابوات فاتسع القاموس، وتعاظمت ثقافة الصورة فازدهر الهرم الصوري، وتيسرت وتنوعت القراءة فاصبحت الجملة مركبة وسلسة، وتصارعت الافكار والايديولوجيات والارادات والفلسفات، فأصبحت القصيدة اكثر عمقاً، حتى حصلنا على المغايرة، التي تمثلت في (بعض) النصوص عند (بعض) الشباب، ما يجعلنا أمام نماذج تحققت، وما زالت مستمرة في التطور.