غالبا ما يسعى الكتاب المسرحيون الباحثون عن التجديد الى اللجوء الى التنويع في عوالم التخيل المسرحي وكذلك البحث عن تقنيات غير تقليدية في كتابة النص المسرحي , لذلك نراهم يكتبون بطرق جديدة لا تستند على نظرية مسرحية واحدة ويحرصون على ان تنحى نصوصهم منحى مغايرا لما هو سائد في الكتابة المسرحية التقليدية .
وهذا ما نراه في نصوص قالت لي العرافة للكاتبة د. ايمان الكبيسي التي حاولت ان تتجاوز على الكثير من المفاهيم المتعارف عليها في كتابة النص المسرحي مع الحفاظ على قدسية الجانب الادبي للنص وعدم المساس به فنراها قد لجأت الى كسر الكثير من القواعد الكلاسيكية في الكتابة وحاولت سبر اغوار التجريب بجرأة مستندة على دراية وقدرة كتابية عالية .
وقد تعددت اساليب وادوات هذا التجريب في اشتغالاتها النصية وتنوعت طرقها في تناول موضوعاتها ورسم معالم الشخصيات التي تسعى دائما للثورة والتغيير .
الرمز
سعت الكاتبة الى تأطير بعض نصوصها باطار ميثولوجي لتأكيد عملية الترميز في طرح موضوعاتها وقد كرست ذلك في اغلب نصوص المجموعة في سعي منها للولوج الى عالم تبلور فيه قيم غير تقليدية في فن الكتابة المسرحية ومحاولة تحديث ادواتها الكتابية عبر ذلك.
وان ذلك جاء نتيجة لاستجابتها للمشكلات التي تطرحها نصوصها المسرحية وبذلك تحقق لديها تشابك علائقي بين مكوني الرمز (الدال والمدلول ) فعدم التصريح الواضح في رسم الواقع الذي تناولتـــــــــه النصوص كان لغرض اضفاء دلالات اكـــــــــثر عمقا في تصويره.
وان ذلك يثير فينا شهوة السؤال عن جدوى اللجوء الى اسلوب الترميز مع امكانية الطرح بكل جرأة ووضوح مع عدم وجود ضغوطات او محظورات تفرضها سلطات سياسية او اجتماعية او دينية .
الارشادات الاخراجية
ان ما تشترك به كل نصوص هذه المجموعة هو الحضور الواضح والجلي للإرشادات الاخراجية(الظروف المعطاة ) وقد ركزت الكاتبة على ذلك كثيرا في وصف المنظر المسرحي او تأسيس مكان المشهد او رسم معالم بيئة النص او في تصوير الحالة النفسية للشخصيات وشرح افعالها وحتى في اقتراح لمعالجة شكلية للمشهد المكتوب حتى انها تصل في بعض الحالات الى تحديد نوع الاضاءة وشكل الحركة والفعل لتصل الى مرحلة تكون هذه الارشادات بمثابة املاءات اخراجية سلطوية من الممكن ان نصفها بانها كانت نصا ثانويا مجاورا يسير باستقامة مع نص الحوار الاساسي .
وقد جاء ذلك بقصدية واضحة من الكاتبة للتخلص من النمطية في الكتابة والخروج على الاعراف الكتابية الصارمة التي تحدد شكل التقديم وطريقة الاداء الكلائشية.
التوظيفات النصية
بعد اجراء احصائية على نصوص المجموعة لدراسة التوظيفات النصية التي استخدمت داخل النصوص تبين ان جاءت بالشكل التالي:
وبما ان كل هذه الموضوعات والنصوص الكلامية تشكل جزءا من ذاكرة الكاتبة فقد تمظهرت بعدة حالات كان الغرض منها تكريس التفاعل الفكري بينها وبين المحمولات الفكرية لنصوص الكاتبة .
وكذلك كان حرص الكاتبة واضحا من خلال ذلك لتأكيد هوية نصوصها وبالتالي تعميق اصالتها وانتماءها .
فالتوظيف القرآني جاء لكي تستوحي النص المقدس بثرائه اللغوي وسلطته المعرفية واستخدامه في النص الحواري لتحفيز الذاكرة المشتركة بين المرسل والمستقبل لتحقيق رؤية جمالية وفكرية يكون النص بحاجة اليها لتقويته وتمتينه وليسهم ايضا في تعضيد كلام ابطاله .
اما الاغاني فكان استخدامها من اكثر المواضيع التي استخدمت في كل نصوص المجموعة وذلك لقدرتها الكبيرة على التعبير عن المشاعر حينما تعجز الكلمات عن ذلك وكانت حاضرة لشرح وترجمة الفعل المسرحي وتأكيد الحالة النفسية للشخصية او من اجل التعليق على الاحداث او تفسيرها ووصف الجو العام للمشهد المسرحي من خلال الفعل التأثيري للأغنية التي تمارسها على المتلقي بكل دلالتها الشجية والمفرحة والايقاعية والحماسية.
اما الامثال الموظفة في هذه النصوص فكانت لها دلالات اجتماعية وثقافية ودينية ساندت الكاتبة في النهل من تراث ثر وغزير المعنى.
اللغة الشاعرية
اعتمدت الكثير من حوارات نصوص المجموعة على لغة شاعرية اجتهدت الكاتبة كثيرا في توأمتها وتنسيقها مع عناصر النص الاخرى وقد ساعدها ذلك كثيرا على رسم الشخصيات والكشف عن مكنوناتها كما انها ارادت ان ترتقي بلغتها الشاعرية لكي تقوم بموازنة تقنية بين لغة الواقع والحياة اليومية وبين اللغة التي يريدها المسرح والتي يجب ان تكون هي المعبر الحقيقي عن افكار النص وحوار شخصياته .