لؤلؤة {لاباريغرينا}.. أعجوبة الطبيعة ورمز الثروة والجمال

بانوراما 2021/06/23
...

  ماثيو ويلسون
  ترجمة: ليندا أدور
كان ذلك خلال ربيع العام 1969، في جناح بالطابق العلوي من فندق سيزار بالاس بولاية لاس فيغاس الأميركية، حيث كانت الممثلة اليزابيث تايلور في حالة من الذعر الأعمى، فقطعة المجوهرات المفضلة لديها وهي عبارة عن لؤلؤة طبيعية على شكل دمعة بطول يعادل انجا واحدا، والتي كان زوجها، ريتشارد بيرتون، قد أنفق ثروة لاقتنائها، قد اختفت.
كانت اللؤلؤة، وتعرف بـ «لاباريغرينا
La Peregrina}، واحدة من أشهر اللآلئ في تأريخ العالم، وقيّمت لحجمها وشكلها المثالي وأصلها المثير للإعجاب، فقبل أن تمتلكها تايلور، كانت {لاباريغرينا} ملكا لأفراد من أكثر السلالات الحاكمة نفوذا في التأريخ الأوروبي، وقد ظهرت عبر العديد من اللوحات الشخصية لرسامين من بينهم بيتر بول روبنز ودييغو فيلاسكيز. 
حينها، كانت تايلور قد جثت على يديها وركبتيها تبحث عن اللؤلؤة في كل شبر من سجادة الغرفة لكن دون جدوى، قبل أن تلحظ أن أحد كلابها البكينية يمضغ شيئا ما كالعظمة، وعندما فتحت فمه وجدت بداخله اللؤلؤة الأجمل في العالم، لكنها كانت سليمة دون خدش.
 
قصة حياة تشردية
تفتح قصة حياة  لاباريغرينا الباب على أهمية الدور الذي لعبته اللآلئ في الثقافة الانسانية كمؤشر على الجمال والقوة والثروة، وقد عكست صور تايلور شغفها باللآلئ الطبيعية، وارتدتها نساء من مشاهير ارستقراطيي القرن العشرين مثل كوكو شانيل وجاكلين كينيدي ومارلين مونرو. 
تعود الأهمية الثقافية للآلئ الى حقب تاريخية بعيدة، اذ يعتقد أن من أقدم الأدلة على صيد اللؤلؤ يعود الى الألفية الخامسة قبل الميلاد وفي مواضع مختلفة من سواحل المحيط الهندي، وقاد الشغف باللؤلؤ الى إنشاء أولى الشبكات التجارية في العالم لتربط مراكز صيده في سواحل الهند وسريلانكا والخليج والبحر الأحمر بمدن العالم القديم، فقد كان اللؤلؤ رمزا لأفروديت، إلهة الحب اليونانية التي يعتقد بأنها ولدت من البحر، لذا غالبا ما يتم تصويرها وهي تخرج من صدفة او تضع أقراطا من اللؤلؤ كما صورها الفن الروماني. 
أبدى الرومان تعصبا تجاه اللؤلؤ، فقد وصفه بلينيوس الأكبر في القرن الأول قبل الميلاد، بأنه: «يحتل المرتبة الأولى من ناحية السعر»، كما تظهر الصور الجنائزية غير العادية في حوض الفيوم بمصر الرومانية، مدى الهوس بالقلائد والأقراط اللؤلؤية، وكانت ذات قيمة كبيرة الى الحد أن جنرالا رومانيا في القرن الأول بعد الميلاد، كان بإمكانه تمويل حملة عسكرية من خلال بيع قطعة واحدة فقط من لآلئ والدته، وفقا لسويتونيوس (مؤرخ وكاتب روماني)، زاعما أن غزو الرومان لبريطانيا استوحي من خلال الوعد بمواقع صيد اللؤلؤ في انهارها.
 
مَثَل اللؤلؤة
ارتبطت اللآلئ بتاريخ الأديان أيضا، كما ورد في مَثَل اللؤلؤة بإنجيل متى، حيث يوضح مقارنة السيد المسيح (عليه السلام) اللؤلؤ بملكوت السماوات، حين قال: «مَثَل ملكوت السماوات كمَثَل تاجر كان يطلب اللؤلؤ الكريم، فوجد لؤلؤة ثمينة، فمضى وباع جميع ما يملك واشتراها»، جعلت ندرة وجمالية الشكل ونقاوة اللون، من اللآلئ رمزا مناسبا للمسيح، ففي أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة، تم إدخال ودمج اللؤلؤ ضمن صلبان مزخرفة لتكون بمثابة رمز لنقاء السيد المسيح والسيدة العذراء (عليهما السلام).
ارتبطت صفات الثراء والجمال ونقاوة الروح باللآلئ في خليج بنما، أواخر القرن السادس عشر، عندما تم الكشف عن {لاباريغرينا»، فقد أرسلت الى الملك فيليب الثاني ملك اسبانيا، لتشير بوضوح الى الجغرافية السياسية العالمية لعصر النهضة، مشيرة الى إرتباط اللؤلؤ بالفن كذلك، ففي أواخر القرن الخامس عشر، وبعد استعمار اسبانيا لأجزاء من العالم الجديد عبر اكتشافات كريستوفر كولومبوس، كان أبرز اكتشاف قام به في الأراضي الجديدة هو صيد لآلئها الرائعة، وكانت أميركا بمثابة كنز دفين من اللؤلؤ، وعندما نشاهد بورتريهات عديدة لأفراد من الاسرة المالكة الاسبانية وهي ترتدي  لاباريغرينا، فلا تدل على الجمال والنقاء فحسب، بل ترمز الى المستعمرات المدرّة للمال والقوة الهائلة التي اكتسبتها من الامبريالية.
أحد الأمثلة على هذه الصور هو بورتريه مارغريت النمساوية، ملكة اسبانيا وزوجة فيليب الثالث، للرسام الاسباني خوان بانتوجا دي لاكروز، حيث تظهر  لاباريغرينا في قلادة تتدلى على صدرها، والتي تشبه بورتريه آخر لفيلاسكيز، وتظهر فيها الملكة اليزابيث من فرنسا، وزوجة الملك فيليب الرابع، وقد توسطت اللؤلؤة المونوغرامات (حروف أولى أو علامات ترمز الى شخص) السلالية والرموز على القماش الذي يزين الجليسة (شخص يجلس لرسم صورته)، يذكر أن «لاباريغرينا» كانت من بين مجوهرات التاج الاسباني، لذا تعد رمزا للنسب الملكي، وقد ورد ذكرها ضمن المقتنيات الثمينة للتاج الاسباني في مختلف سير القرن السابع عشر، فقد كان الملك الاسباني فيليب الرابع يرتديها بقبعته خلال حفل زفاف ابنته، ماري تيريز، الى لويس الرابع عشر ملك فرنسا، الملك الشمس، كما كان يلقب. 
 
قرط فتاة فيرمير
في البورتريهات التي رسمها كروز وفيلاسكيز وروبنز، بدت جميع السيدات بملامح قاسية رسمية وغير معبرة، بسبب القيود التي كانت مفروضة على صور الاسرة المالكة، فلم يكن يسمح لهن بالابتسام وان تقتصر جلساتهن على وضعيات محدودة فقط، وكان على  لاباريغرينا أن تتحمل العبء الثقيل، لذا كانت رمزا للترف والبذخ والفضيلة التي تتمتع بها نساء تلك الصور.
هنالك لؤلؤة أخرى تعد الأشهر في تأريخ الفن، هي التي ارتدتها الفتاة في لوحة الفنان الهولندي فيرمير، «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي»، وكانت بأبعاد وحجم  لاباريغرينا، وتضمنت الكثير من لوحاته موضوعة اللآلئ كرمز للثروة والمنزلة، ومع ذلك كان من الصعب والمستحيل أن يقترب فيرمير من الحصول على لؤلؤة بهذا الحجم، لذلك فهي كانت إما خيالية 
تماما، أو مزيفة، مصنوعة من الزجاج المصقول. ظلت «لاباريغرينا» بحوزة الأسرة المالكة الاسبانية حتى أوائل القرن التاسع عشر، بعد غزو نابليون البلاد عام 1808، وتنصيب شقيقه جوزيف بونابرت، ملكا عليها، وتم طرد الفرنسيين من اسبانيا العام 1813، فقام جوزيف بتسليم اللؤلؤة الى زوجة شقيقه، أورتينس دي بوارنيه، ليرثها من بعدها ابنها شارل لويس نابليون بونابرت، الذي أصبح لاحقا نابليون الثالث، امبراطور فرنسا خلال منتصف القرن التاسع عشر، فباعها الى الانكليزي جيمس هاميلتون، دوق ابيركورن، حيث بقيت بحوزته، حتى بيعت بمزاد علني بمبلغ 37 ألف دولار الى بيرتون، زوج تايلور سنة 1969، وقد بيعت ثانية بالمزاد بعد وفاة تايلور بمبلغ 12 مليون دولار لمشتر مجهول.