لا تمثل العصا السحرية .. قبة إسرائيل الحديديَّة لن تبقى طويلاً

بانوراما 2021/06/23
...

  سيث جي فرانتزمان
  ترجمة: أنيس الصفار
في الحرب الأخيرة بين اسرائيل وحماس تحقق وقف اطلاق النار بعد 11 يوماً من المعارك، وكلا الجانبين ادعى النصر وكلاهما يتوقعان نشوب جولة جديدة في المستقبل، من وجهة نظر اسرائيل كان مفتاح النجاح هو منظومة دفاعها الجوي المسماة {القبة الحديدية} التي تستخدم الرادار والصواريخ لاعتراض الصواريخ المعادية ومصادر التهديد الأخرى، هذه المنظومة أبقت الاسرائيليين في ظل أمان نسبي من 4340 صاروخا تزعم قوات الدفاع الاسرائيلية انها اطلقت من غزة، ومن المقرر أن يلتقي وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتز بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ليطلب مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية طارئة للتعويض عن نفقات معترضات {القبة الحديدية} في تلك الحرب.
بيد أن المواجهة الأخيرة كانت مختلفة عن سابقاتها في الاعوام 2009 و2012 و2014، وكذلك كانت مختلفة عن جولتي القتال، اللتين لم تستغرق كل منهما سوى بضعة ايام، في عامي 2018 و2019، ما يجعل هذه الجولة مختلفة أمران، اولهما كثافة النيران الصاروخية غير المعهودة التي اطلقتها حماس، والثاني تراجع كفاءة الرد الاسرائيلي خلال محاولة التصدي لحماس.
في العديد من تلك الرشقات كان يطلق ما يصل الى 140 صاروخاً ضمن نطاق دقائق معدودة، وهذه كانت تملأ السماء فوق تل أبيب وأشدود وعسقلان، كان الدخان الأبيض المنبثق من معترضات {القبة الحديدية} يرسم خطوطاً تتلوى وتنحني مثل لوحة رسام، كان المنظر أخاذاً ولكنه في الوقت نفسه قد يؤشر المنتهى العملياتي الأقصى لهذا النوع من منظومات الدفاع الجوي.
 
قدرة محدودة
الرسالة المستخلصة من هذه الحرب هي ان دفاعات اسرائيل الجوية قد لا تعود كافية ذات يوم لصد كميات ضخمة من الصواريخ، لن تعترف اسرائيل بهذا، ولكن ثمة ذروة ستراتيجية لهذه التكنولوجيا تقف عندها ولا يمكن تخطيها، وتدعي اسرائيل ان منظومة {القبة الحديدية} تتمتع بمعدل نجاح نسبته 90 بالمئة، ولم تعلن الحكومة الاسرائيلية عن عدد الصواريخ التي تم اعتراضها، ولكنها صرحت مؤخرا بأن المنظومة اعترضت ما يقارب 1000 صاروخ من اصل 2300 اطلقت، لنقارن هذا بما حدث في ايار 2019 عندما اطلقت 690 صاروخاً من غزة خلال معركة سريعة لم تدم طويلاً فتم اعتراض 240 منها، إلا ان قدرات بطاريات {القبة الحديدية} ليست مطلقة بلا نهاية، ومثل هذا يقال عن صواريخها الاعتراضية، المبدأ الذي تقوم عليه المنظومة هو حماية المدن وإتاحة فرصة للسياسيين الاسرائيليين كي يقرروا ما الذي ينبغي عمله من دون الاضطرار الى القيام بغزو بري. 
في هذه المرة ايضاً لجأت اسرائيل الى لعبة التكتيك العسكري التي سبق أن لعبتها في الماضي، وأساسها: توجيه ضربات جوية دقيقة باستخدام أعتدة معينة، مثل ذخائر الاستهداف المباشر الأميركية الصنع، لكن التداعيات الدولية ازاء الفعل الاسرائيلي جاءت هي الاخرى نكسة ستراتيجية لاسرائيل، فرغم سنوات من جمع المعلومات الاستخبارية عن المواقع المختلفة التي هاجمتها اسرائيل تكشف النتائج ان انظمة الدفاع الاسرائيلية، مثل {القبة الحديدية}، والتفوق العسكري قد جعلا اسرائيل بلا ستراتيجية واضحة المعالم على المدى البعيد.
تبدو حروب غزة المتعاقبة بالنسبة لعديد من المراقبين متداخلة ومندمجة في لوحة واحدة لأن ضربات الفرشاة التي رسمتها متشابهة، ولكن الحرب الأخيرة تؤشر بداية عهد جديد، فرغم ان منظومة {القبة الحديدية} كانت عاملاً اساسياً في درء زخات الصواريخ التي انهمرت على تل أبيب وعسقلان وغيرهما من المدن الاسرائيلية المستهدفة بات واضحاً ان ما من حل لمجمل المشكلة التي تمثلها حماس من خلال سيطرتها على غزة واطلاق الصواريخ من القطاع الى داخل اسرائيل.
هذا الطريق المسدود يشكل مأزقاً أشبه بالدائرة المفرغة، فاسرائيل لن ترفع الحصار البحري عن غزة ما لم تتنح حماس عن السلطة وتوقف تسريب الاسلحة، في حين تواصل دول مثل إيران تجهيز حماس بالسلاح والمعرفة الفنية وبذلك تتمدد ترسانة حماس الصاروخية، وتريد حماس استغلال غزة كنقطة انطلاق تشق طريقها عبرها خطوة فخطوة حتى تستعيد الاعتراف بها داخل الضفة الغربية، حيث تتولى الشؤون السلطة الوطنية الفلسطينية المعترف بها دولياً، لقد ساعدت اسرائيل حماس من حيث لا تشعر حين ارسلت شرطتها الى داخل المسجد الأقصى في 9 أيار خلال شهر رمضان وبذلك اعطتها المبرر الذي كانت تنتظره لشن الحرب.
 
انتكاسة سياسية لإسرائيل
ما الذي تغير اذن في الحرب الأخيرة؟ لقد كان {بنيامين نتانياهو} يواجه نهايته السياسية بعد ان فشل اربع مرات في تشكيل حكومة وكان على شفا الخسارة النهائية حين اعلنت الاحزاب المعارضة عن استعدادها لتشكيل تحالف لا يكاد يوحد بين اطرافه شيء سوى رفض نتانياهو، اما حماس فتعتقد انها قد نجحت في تحويل اجواء التوتر التي تعيشها اسرائيل الى نصر كبير من خلال حملتها الأخيرة، فراحت تفاخر بأن لديها مئات الكيلومترات من الانفاق تحت الأرض التي لم يلحق بها ضرر يذكر، في الخارج يحذر الدبلوماسيون الاسرائيليون من ان سفاراتهم لا تملك الكوادر الكافية ولذلك لا تستطيع مواكبة التداعيات التي ترتبت على الحرب الأخيرة، كذلك من المحتمل أن تكون النجاحات التي حققتها اسرائيل سابقا، عندما توصلت الى السلام مع دولتين خليجيتين ودولة السودان، قد منيت بانتكاسة، في الوقت نفسه تقول إيران، خصم اسرائيل الأكبر، ان {النظام الصهيوني آخذ بالانهيار}، بل انها ارسلت طائرة مسيرة فوق مناطق شمال اسرائيل خلال المعارك الأخيرة لامتحان الدفاعات الاسرائيلية. 
الكابوس الذي تخشاه اسرائيل هو الحرب على عدة جبهات، وهذا الكابوس ينتظرها وراء المنعطف، وخصوم اسرائيل يعلمون ذلك حق العلم، {القبة الحديدية} رد تكتيكي على خطر اقليمي حقيقي، فاسرائيل تتوقع ان يطلق عليها حزب الله 2000 صاروخ في اليوم إذا ما 
نشبت الحرب المقبلة، لذا تدربت على ضرب ما يصل الى 3000 هدف في اليوم تحسباً لوقوع اي صدام مستقبلي، كما رفعت من قدرات منظومات دفاعها الجوي متعدد الطبقات استعداداً لمثل هذا السيناريو.
أثبتت الحرب الاخيرة مع حماس أن {القبة الحديدية}، رغم تأديتها ما كان متوقعاً منها، ليست العصا السحرية لكسب حرب او ردع عدو، كما ان عقيدة اسرائيل في استخدام الطيران لتوجيه ضربات دقيقة تصدياً للتهديدات تتسبب بوقوع عشرات القتلى من المدنيين في غزة، هذه الحصيلة من الخسائر يرفضها كثيرون في المجتمع الدولي، لذا فرضت الضغوط على اسرائيل لجعلها توقف القتال.