هل نعيش فوضى أدبيَّة؟

منصة 2021/06/24
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
 
تشكل الفوضى الأدبية الحالية نوعاً من الحلزونيَّة المأزومة فعلياً وبحركة انعكاسية تدفع الى تعقيد كل شيء في الأدب الى ما لا نهاية، لكن بكوارث فنية تخترق بنفور الأعاصير الكتابية التي تواجه المعاناة الوجودية للكاتب بشكل خاص. وللشعراء وغيرهم بشكل عام، رغم أنها في الشعر قد تصل الى الفوضى المرعبة المتعددة الأقطاب والمفككة للخيال الذي قد تصيبه بثنائية تقلل من المعنى الأدبي في الحياة، وارتباطه بالقضايا الاساسية التي يعالجها، كما أنَّ البعض يعتمد على النص المحشو بالكلام البسيط وباللغة العامية المختلطة بالفصحى، كالتي نراها على التيك التوك والزوم وسوى ذلك مما هو معروف من شبكات التواصل الاجتماعي تويتر فيسبوك وانستغرام وسواها، بعيداً عن الأدب الفعلي ومصداقيته الشبيهة بالثقوب السوداء القاتلة والمميتة، التي قد تصل الى نفس تهذي على منابر مفتوحة تطلق على كل ما هب ودب اسم شاعر او اسم راوٍ وهو متدهور أخلاقياً إنْ صحَّ لي استخدام كلمة راوٍ، بل الى الإحساس بالدوار كالذي يغطس في لزوجة لا خروج منها أو كالمصاب بانفصام الشخصية، فما هي مفردة فوضى أدبية وماهيتها؟ وهل يمكننا استخراج المكنون الجوهري الأدبي من هذه المتاهة الحلزونية التي تجعلنا في انفصام كلي عن الجديد 
الأدبي؟
حقائق لواقع أدبي يميل نحو الكوارث الفقاعية التي لا شكل لها ولا طعم ولا لون، وتسبب نوعاً من الاضطراب الذهني، لنصوص خاملة فعلياً من حيث التسلسل بعيداً عن قيمة المفردة ومعناها، ومساوئ اللغة غير القادرة على الغوص في العمق الفكري. خاصة في الرواية التي تنفتح على صراعات عدمية، وشخصيات تدخل وتخرج تحت مسميات حداثية غير موجودة في قاموس الأدب، وبهروب نحو سريالية لا يمكننا حتى إدراك ماهية الغموض منها، ولا التوجه نحو غرابتها، وربما هو الأخذ من كل نص جملة نضعها في الحلزونية أو الدائرة اللولبية العدمية التي لا تقودنا إلا إلى الخروج من دوامة أدبية أرهقتنا من كم الأخطاء في صورة ذهنية مرتبكة تعزز الفوضى والإخفاقات الملتوية في تطلعاتها وأهدافها. فهل من فوضى أثمر الأدب فيها ونجح في خلق مرادفات للحياة الواقعية الخالية من الشكل الكتابي الواضح المعالم، والتي تقوم على الاختباء خلف مفردة ما بعد الحداثة ومخاطرها، وعدم فهم رؤيتها أو بنياتها الأدبية، وبدوامة المزج بين الأنواع كلها، مما يشعرنا باختلاط يتسبب بخلق هوة بين القصة والرواية والدراما والملحمة التاريخية وغيرها من مسميات التعبير الحر عن رغبات مكبوتة بفوضى تتعارض معها أنظمة النصوص أو القصيدة أو الرواية. فهل نعيش فوضى جرثومية أدبية خلقت نفسها على التيك توك والزوم 
وغيرها؟
حقيقة لا يمكن إدراك ماهية التعافي من هذه الفوضى الجرثومية الأدبية التي أصبحت تقاوم النشر الورقي وقدرتها على اختراق الأعراف والتقاليد الأدبية من خلال السذاجة المطلقة، بل وأصبح لها من الجماهير من هم غير قادرين على التلذذ بالمعنى الحقيقي للأدب حتى لنجد الكثير من المتابعين والمشجعين الذين وقعوا في وهم جرثومي أدبي من نوع آخر، وفي الحقيقة أنَّ بعض الفوضى الأدبية تستفز العقل وتجعله في حالة تأهب لفهم حالة الفوضى وأوجه التكاسل التي أدت الى كل هذا، بل الى تعظيم أدوار الأدباء ووضعهم على لائحة تطوير الجهاز المناعي للأدب القائم على التسامي والتكافؤ الخاضع لفرض قيمة أدبيَّة على الخصائص المتاحة من شبكات تواصل اجتماعي. فهل الفوضى الجرثومية الأدبية تعالج العلاقات الأخلاقية بالانفلات الساخر من الحياة؟ أم أنَّ الضغوطات الاقتصادية والسياسية تأثر بها الأدب الذي أصابته بفوضى قد تكون قاتلة؟.