صراع تيغراي يقتل السكان جوعاً

بانوراما 2021/06/26
...

  رودني موهوموزا
  ترجمة: بهاء سلمان
بداية، سرق الجنود الاريتيريون طعام المرأة الحامل، حينما كانت مختبأة وسط الأحراش، وبعد ذلك طردوها من نقطة تفتيش قبيل حصولها على فرصة عمل.
كان على {أبيبا} إحضار طفلتها الرضيعة المتضورة جوعا من المنزل، والسير بها 12 يوما لإيصالها إلى عيادة تقع شمال إقليم تيغراي الإثيوبي. وبعمر 20 يوما، لا تزال الطفلة {تيغستي} تعاني من سيقان ذابلة ونظرة هامدة، وهي علامات لما يعده مسؤولو الأمم المتحدة الكبار للشؤون الإنسانية أحد أسوأ ظروف المجاعة خلال عقد من الزمن.
 
هنا، في إقليم تيغراي الممزق بسبب الحرب، يواجه أكثر من 350 ألف شخص المجاعة، وفقا للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية اخرى؛ والأمر ليس فقط بشرا يموتون جوعا، وإنما جعل الكثيرين يتضورون جوعا، حسبما توصل إليه صحفيون؛ ففي مناطق الحقول الزراعية داخل الإقليم، والتي يندر وصول الصحفيين إليها، أكد المزارعون وعمال الإغاثة والمسؤولون المحليون تحويل الطعام إلى سلاح حربي.
ويمنع الجنود الاثيوبيون والاريتيريون معونات الطعام، بل وحتى يسرقوه، وشوهدت قوافل محمّلة بالطعام والدواء تتم إعادتها من قبل قادة الجيش الإثيوبي مع استئناف القتال في بلدة هاوزن. وتوجه أصابع الاتهام إلى الجنود أيضا بإيقاف المزارعين من الحصاد أو الحراثة، وسرقة بذور الزراعة، والقضاء على الماشية ونهب المعدات الزراعية.
 
صراع مستعر
خوفا من الحرب، فر مليونا فرد من سكان تيغراي البالغ عددهم ستة ملايين، وعجزوا عن حصاد محاصيلهم؛ ولا يستطيع من بقي غالبا على زراعة محاصيل جديدة، أو حرث الأرض خوفا على حياتهم. واندلعت الحرب الطاحنة في تيغراي بداية تشرين الثاني الماضي، قبل بدء موسم الحصاد بقليل، بسبب سعي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لنزع سلاح قادة الإقليم المتمردين. ويقاتل الثوار، وهم الآن مطاردون، ضد القوات النظامية الإثيوبية المنضوية معها قوات أريتيرية، علاوة على ميليشيات إثيوبية من الإثنية الأمهرية، التي ترى نفسها منافسا لتيغراي، بينما أصبح السكان عالقين وسط هذا الصراع.
تسببت الحرب بمجازر وأعمال  وحشية وطرد واسع للمدنيين من ديارهم، وتطهير إثني لمنطقة غرب الإقليم. وتنفي الحكومة الإثيوبية بشدة توظيف المجاعة كسلاح في الحرب. وصرّح {ميتيكو كاسا}، مسؤول هيئة إدارة الكوارث، بإمكانية دخول موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من المنظمات الإنسانية إلى تيغراي بلا قيود، مؤكدا عدم وجود أية نقص بالطعام. لكن الصحفيين لم يجدوا شيئا من ذلك على أرض الواقع. ويؤكد المزارع {تكليماريم غيبرمايكل} عدم السماح له ولجيرانه بالزراعة، وعندما وصل الجنود الاريتيريون إليه بحثا عن ماشيته ومحاصيله، أطلقوا النار عليه وعلى أبقاره، كما يقول. نجا المزارع، لكن الأبقار ماتت؛ ومع قلة الطعام، تسير حالة شفاء جرحه بشكل بطيء. وهو يرجو إطلاق نداء إلى العالم بضرورة فعل شيء فوري لمساعدة تيغراي، لأن الناس لا يسعهم العيش على أرضهم بعد الآن.
ويعد الجوع موضوعا حساسا في اثيوبيا، بعد انتشار صور مجاعة الثمانينيات خلال القرن الماضي التي أدت إلى غضب عالمي. وفاقمت الصراعات تلك المجاعة، حيث أودت بحياة نحو مليون شخص. في الطريق إلى أبي أدي، بلدة تبعد نحو مئة كيلومتر غرب ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، رأى الصحفيون مزارعين يحرثون أو يرعون مواشيهم في أماكن على التلال البعيدة، خوفا من تعرّض الجنود الاريتيريين لهم بالضرب.
 
أعمال مؤذية
إضافة إلى منع الحراثة، فرض الجنود إجراءات أخرى لإبادة الطعام، بحسب شهود عيان، حيث يتحدث عمال الإغاثة عن تسميم الجنود الاريتيريين صوامع الغلال، ومزج الحبوب بالرمل والتراب، ويطول نهب الجنود حتى المعدات الزراعية، بحسب المزارعين: {نهبت جميع أدوات الزراعة، وبضمنها المحاريث، وأخذت على متن الشاحنات، ولم يتركوا أي شيء}.
أحيانا، تتمكن قوافل المعونات الغذائية من الوصول رغم جميع التحديات، لكنها لا تكفي، وحينما يصل الطعام، يتجمّع الناس فورا للحصول على أية كمية ممكنة. ويؤكد مسؤولو الإغاثة عدم قدرتهم على تلبية مستوى الإحتياجات المطلوبة، وهناك من يموت بسبب قلة الطعام.
القلة من المحظوظين، مثل الأم المرضعة أبيبا، يتمكنون من عبور حواجز الطرق لطلب المساعدة الطبية في أبي أدي وميكيلي، لكنهم قليلون على أي حال. ورصد الصحفيون وصول أربعة نساء إلى ردهة مؤقتة لرعاية الأطفال المصابين بسوء التغذية ببلدة أبي أدي.
لا تزال برهان إيستانا، 27 عاما، الأم من بلدة دينغيلات، متعلّقة بطفلتها {ميبرهت} الوحيدة الناجية من ثلاثة توائم، وتمكنت من إيصالها إلى مستشفى آيدر بالعاصمة ميكيلي، تعاني من مضاعفات سوء التغذية الحاد. الطفلة عمرها 17 شهرا، لكنها تزن نحو خمسة كيلوغرامات فقط، بعد إسبوع من عناية مكثفة.
تقول برهان: {حتى عندما كنا في الحقل، وأرضعها من صدري، لم تتمكن من شرب أي شيء، وذلك بسبب قلة الطعام}.
صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية