وجدان عبدالعزيز
يمثل القلق مظهرا من عمليات انفعالية متداخلة، نتيجة الإحباط والصراع النفسي وتصاحبه محاولات الإنسان للتكيّف والتأقلم مع الحالات الاستثنائية، وهذه المحاولات قد تفشل وقد تنجح وتكون شعورية: تتمثل بالخوف والعجز والتهديد والإحساس بالذنب، ولا شعورية: وتشمل العمليات المعقدة، أي شعور الإنسان بالخوف من دون إدراك العوامل الدافعة لذلك، ويسبب القلق العديد من الاضطرابات الجسمية كبرودة الأطراف، آلام المعدة، الصداع، توقع الأذى، وعدم القدرة على التركيز والإحساس بالهزيمة والاكتئاب.. ومن أسبابه المهمة بلا شك: عدم التفاهم الأسري وتحميل الإنسان أكثر من طاقته، وسيادة القيم وكذلك سوء الظن
بالآخرين، وكثرة المتاعب، والفقر، ومحاولة إثبات الذات، هذه الضغوطات كفيلة بجلب القلق الذي يحاصر الإنسان، ويجعله يميل نحو العزلة والتكاسل، وقد يصاب بأمراض كما أسلفنا، وأثناء ما كنت أقرأ
عن القلق ومديات تأثيره في حياتنا تذكرت عبارة قصيرة للسيد المسيح (ع ) يقول فيها: «أحبوا أعداءكم»، لماذا؟ لأن الكراهية تأكل القلب وتزيد القلق وأنا أعرف نساء امتلأت وجوههن بالتجاعيد، التي قلبتْ معادلة جمالهن، والسبب لأنهن يعشن في حياة غاضبة تكدر حياتهن، بينما هناك الكثير منهن يحملن قلوبا عامرة بالرقة والحنو والعاطفة، مما جلب لهن وجوها عامرة بالبشر ومسحة الجمال والابتسام.. إذن لابد من تدريب النفس على تجنب الغضب والحقد والابتعاد قدر الامكان عن الظروف، التي تسبب الغضب أو مواجهتها، كــي نخفف حالة القلق الناتج من هذا، والمواجهة هذه هي عبارة عن رياضة روحية وتربوية وحتى ايمانية، تجعل من الإنسان في حالة توازن عقلاني.. وفي سياق حديثنا عن القلق لنا أن نسرد لهذا الغرض حالة حدثتنا بها إحدى الفتيات تقول: فاتحت إحدى الدوائر التي تعتمد على الإنجليزية في التعيين، فاختبرت وأخذوا عنواني، كي يعلموني بالنتيجة، وبعد فترة وجيزة جاءني الرد بأنك لا تصلحين، بسبب لغتك الضعيفة جدا، وفي الرسالة الموجهة من رئيس الدائرة سخرية وتهكم على الفتاة، وتقول لما قرأت الرسالة انفعلتُ كثيرا وغضبت جدا وأخذ الحقد يأكل قلبي وجمعت قوايّ، كي أرد على رئيس الدائرة المعنية برسالة أكثر تهكمية، ولكني خففت بعض الغضب وهدأت قليلا وأخذت قسطا من الراحة، وقلت ماذا يضيرني لو أني جاوبت بهدوء وكياسة، وفعلا حينما هدأت كتبت رسالة جاء فيها «إني فعلا ضعيفة باللغة، وكذالك أجهل الكثير من آلية عملكم، كما أني أعلم بقدرتكم يا سيدي على إدارة هذه الدائرة، لذلك أعدكم بأني سوف أتقن اللغة جيدا مع تقبل اعتذاري وتقديري» وبعد فترة اسبوع جاءها من رئيس الدائرة خطاب يدعوها للالتحاق بالعمل وأن الدائرة بحاجة لها.. اذن استطاعت هذه الفتاة أن تسيطر على غضبها، وبالتالي استطاعت أن تبتعد عما يسبب لها القلق، لذا فهي فكرت مليا وتريثت في الرد بعيدا عما يسببه الغضب من الشد والتوتر، وبالتالي يجلب القلق ومن ثم ضياع فرصة الحصول على العمل، ولكن الفتاة كسبت تجربة من هذه الحادثة درت عليها الكثير من الفوائد وهي استقبال الأمور بروية وهدوء، ونركز هنا على أن الإنسان لا يستطيع دائما أن يكون من أصحاب المروءة والتضحية ويحب أعداءه، كما يقول السيد المسيح (ع)، ولكن لا يسعه الا أن يحب صحته وسعادته في الحياة وهذا أمر مرهون بالابتعاد عن الغضب، الذي يجلب القلق، وبالتالي إذا ما حدث القلق، فإنه كفيل بأن تهاجم الجسم الأمراض، ويصبح بيئة ملائمة لها ولا يسعنا إلا أن نتمثل بهذا القول المأثور: (إن الغبي هو الذي يقلق ويغضب، بينما الراشد العاقل هو الذي لا يستقبل الغضب ولا القلق)، أي عليه استيعاب الأمور والانتباه إلى الخصم، إذا جاز لنا تسمية المقابل المثير للغضب بهذا اللقب والانتباه تماما واستيعابه وترويضه، ومن ثم تحويله من خصم إلى صديق.